منبر 30-12-2024 | 12:21

لبنان 2024: معركة البقاء أو الزوال

في عام 2024، يجد لبنان نفسه في مفترق طرق حاسم يحدد مصيره لعقود قادمة. البلد الذي كان يُنظر إليه يومًا كمركز للثقافة والتعددية في الشرق الأوسط تحول إلى نموذج للانهيار السياسي والاقتصادي. مر عامان من الفراغ الرئاسي جعلا من قصر بعبدا رمزًا لصراع النخب السياسية وعجزها عن التوافق على رؤية موحدة للخروج من الأزمات المتلاحقة. الأزمة في لبنان أكبر من مجرد غياب رئيس
لبنان 2024: معركة البقاء أو الزوال
في عام 2024، يجد لبنان نفسه في مفترق طرق حاسم يحدد مصيره لعقود قادمة. البلد الذي كان يُنظر إليه يومًا كمركز للثقافة والتعددية في الشرق الأوسط تحول إلى نموذج للانهيار السياسي والاقتصادي
Smaller Bigger

فرانسيسكا موسى

 

في عام 2024، يجد لبنان نفسه في مفترق طرق حاسم يحدد مصيره لعقود قادمة. البلد الذي كان يُنظر إليه يومًا كمركز للثقافة والتعددية في الشرق الأوسط تحول إلى نموذج للانهيار السياسي والاقتصادي. مر عامان من الفراغ الرئاسي جعلا من قصر بعبدا رمزًا لصراع النخب السياسية وعجزها عن التوافق على رؤية موحدة للخروج من الأزمات المتلاحقة. الأزمة في لبنان أكبر من مجرد غياب رئيس؛ إنها أزمة هوية ووجود. لبنان لم يعد مجرد دولة ذات سيادة مهددة، بل بات مشروعًا على شفا الانهيار، يُثقل كاهله تداخل النفوذ الإقليمي والدولي، ويفتقر إلى قيادة تضع مصلحة المواطن فوق كل الاعتبارات. ورغم هذا الواقع القاتم، تلوح في الأفق فرصة تاريخية. الشعب اللبناني، الذي عانى لعقود من الانقسامات والحروب، يظهر اليوم وعيًا جديدًا ورفضًا صريحًا لمشاريع خارجية لا تعود بالنفع على الوطن. هذا الوعي، وإن كان غير منظم، يعكس إرادة حقيقية للتغيير، لكنه يتطلب قيادة استثنائية تستطيع توحيد الصفوف وترجمة هذه الإرادة إلى واقع سياسي جديد ينقذ البلاد من حافة الهاوية.

في خضم هذا المشهد المتأزم، تتحرك القوى السياسية التقليدية والمستحدثة في صراع محتدم على الهيمنة. حزب الله، الذي كان يُعتبر قوة إقليمية لا ينافس في الداخل اللبناني، يواجه اليوم تحديات غير مسبوقة. نفوذه العسكري والسياسي لا يزال قائمًا، لكنه يشهد تراجعًا في شعبيته، خاصة في ظل الانهيار الاقتصادي المتسارع، الذي أثقل كاهل جميع اللبنانيين بمن فيهم قاعدة الحزب الشعبية. شركاء حزب الله، مثل حركة أمل والتيار الوطني الحر، يعانون هم أيضًا من تداعيات هذه الأزمة. التيار الوطني الحر، على وجه الخصوص، يواجه انقسامات داخلية وتراجعًا كبيرًا في شعبيته نتيجة تحالفاته المثيرة للجدل وعدم قدرته على تقديم حلول ملموسة. في المقابل، تحاول القوى السيادية، مثل القوات اللبنانية، تقديم نفسها كبديل وطني يسعى لاستعادة الدولة من خلال سيادة القانون، وبناء مؤسسات قوية قادرة على مواجهة الفساد والهيمنة الخارجية. سمير جعجع، الذي يبرز كلاعب رئيسي على الساحة، يدعو إلى إنهاء نهج المحاصصة الطائفية، لكنه يدرك أن المواجهة ليست فقط مع حزب الله وحلفائه، بل مع منظومة مترابطة تحمي نفوذها بشتى الطرق. أما تيار المستقبل، الذي تراجع تأثيره بعد انسحاب زعيمه سعد الحريري، فلا يزال يمثل صوتًا مهمًا داخل الطائفة السنية. رغم غياب قيادة موحدة، يشكل التيار ركيزة لا يمكن تجاهلها في أي تحالف وطني واسع. الحزب التقدمي الاشتراكي، بقيادة وليد جنبلاط، يواصل لعب دوره التقليدي كوسيط بين مختلف الأطراف، محافظًا على توازن هش في الجبل، لكنه يبقى بعيدًا عن طرح مشروع سياسي شامل قادر على إخراج البلاد من أزمتها. على الجانب الآخر، تظهر الأحزاب والمجموعات التي نشأت عن انتفاضة 17 تشرين الأول 2019 كصوت جديد يسعى لتغيير النظام بالكامل. هذه القوى تركز على إنهاء الطائفية والمحاصصة وتقديم رؤية إصلاحية، لكنها تواجه صعوبة في تحويل هذا الزخم الشعبي إلى قوة سياسية قادرة على منافسة الأحزاب التقليدية في ظل الموارد المحدودة والخلافات الداخلية. على الصعيد الإقليمي والدولي، يبقى لبنان في قلب معركة نفوذ بين القوى الكبرى. الولايات المتحدة وفرنسا تدعمان بشكل واضح القوى السيادية والإصلاحية في محاولة لمواجهة النفوذ الإيراني، فيما تستمر إيران بتعزيز موقعها من خلال دعم حزب الله. دول الخليج، التي لطالما دعمت لبنان، باتت أكثر حذرًا، نتيجة السياسات اللبنانية السابقة التي سمحت بتعاظم نفوذ حزب الله على حساب مصالح الدولة. هذا الصراع الخارجي يضع لبنان أمام تحدٍ كبير، إذ لا يمكن للدعم الدولي أو الإقليمي وحده أن ينقذ البلاد من دون إرادة محلية قوية تُترجم إلى مشروع وطني فعلي. في النهاية، السؤال الذي يطرحه اللبنانيون اليوم ليس فقط عن هوية الرئيس المقبل، بل عن الدور الذي سيلعبه هذا الرئيس. هل سيكون امتدادًا لمنظومة المحاصصة التي أنهكت الدولة لعقود، أم قائدًا استثنائيًا يمتلك رؤية شاملة قادرة على توحيد اللبنانيين خلف مشروع وطني جامع؟ لبنان أمام مفترق طرق، حيث يملك فرصة أخيرة للنهوض إذا توفرت إرادة جماعية صادقة تقطع مع ماضي الانقسامات وتضع مصلحة الوطن فوق كل الاعتبارات.

الشعب اللبناني أثبت مرارًا قدرته على النهوض من بين الركام، متجاوزًا الحروب والانقسامات والأزمات التي عصفت به لعقود. ومع ذلك، فإن التحدي الذي يواجهه اليوم أعقد وأعمق، إذ لا يكفي الاعتماد على روح الصمود وحدها. لبنان اليوم بأمسّ الحاجة إلى قيادة تمتلك رؤية تتجاوز الخطابات التقليدية والشعارات الفارغة التي لم تعد تقنع المواطن الذي يئن تحت وطأة الفقر واليأس. إنها لحظة تاريخية فارقة، تتطلب شجاعة استثنائية وإرادة سياسية جامعة للخروج من هذه الأزمة المتشابكة، حيث تتداخل المصالح الداخلية والخارجية بشكل يعقّد الحلول السطحية. الخيار الذي يواجهه لبنان الآن ليس مجرد تحسين طفيف في الأوضاع، بل هو خيار وجودي بين البقاء كدولة ذات سيادة واستقرار، أو الزوال والانزلاق إلى مزيد من الفوضى. إذا تمكن اللبنانيون من توحيد إرادتهم وصياغة مشروع وطني حقيقي يعيد الثقة بالدولة ومؤسساتها، فإن الأمل في مستقبل أفضل سيظل حيًا. لكن السؤال يبقى: هل ستكون هذه اللحظة نقطة تحول حقيقية للبنان؟ هل سينجح اللبنانيون في استغلال هذه الفرصة الفريدة لبناء وطن يتمتع بالسيادة والازدهار؟ الخيار بين النهوض أو الزوال بيد الشعب اللبناني وحده.


 

 

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

شمال إفريقيا 10/6/2025 7:23:00 AM
فرض طوق أمني بالمنطقة ونقل الجثتين إلى المشرحة.
النهار تتحقق 10/6/2025 11:04:00 AM
ابتسامات عريضة أضاءت القسمات. فيديو للشيخ أحمد الأسير والمغني فضل شاكر انتشر في وسائل التواصل خلال الساعات الماضية، وتقصّت "النّهار" صحّته. 
لبنان 10/6/2025 9:32:00 AM
طقس الأيام المقبلة في لبنان