لبنان وسوريا إلى صفحة جديدة وسط تحديات الماضي وأثقاله

كتاب النهار 31-12-2025 | 13:08

لبنان وسوريا إلى صفحة جديدة وسط تحديات الماضي وأثقاله

 سنة 2026 تشكل بوابة اختبار حقيقي لقدرة لبنان وسوريا على تحويل الزخم الديبلوماسي إلى نتائج ملموسة
لبنان وسوريا إلى صفحة جديدة وسط تحديات الماضي وأثقاله
من تظاهرات الساحات.
Smaller Bigger

في عام حفل بالمتغيرات الإقليمية التي بدأت ترسم معالم التسويات الجارية على دول المنطقة، أخذت العلاقات بين لبنان وسوريا منعطفاً جديداً ينطوي على شيء من التفاؤل الحذر مع تسلم أحمد الشرع مقاليد الحكم، بعد عقود من التوتر والعداء حكمت العلاقات في ظل نظام الوصاية.

 

 

يسعى البلدان إلى أكثر من مجرد تقارب ديبلوماسي روتيني، بل إلى مسار سياسي يستحضر ذاكرة الماضي لمواجهة ملفات ثقيلة، في محاولة لإعادة كتابة قواعد الجوار على أساس الاحترام المتبادل والسيادة الوطنية، وذلك في ظل قيادة جديدة في دمشق برئاسة أحمد الشرع، الذي دخل التاريخ السياسي السوري بوصفه رأس السلطة بعد إطاحة نظام الأسد في أواخر 2024، مقدماً خطاباً مختلفاً عن نهج الماضي في التعامل مع العواصم العربية، ومن بينها بيروت.

 

 

شكّل العام 2025 نقطة انطلاق فعلية لهذا التحول. ففي مطلعه، قام رئيس حكومة تصريف الأعمال آنذاك نجيب ميقاتي بزيارة لدمشق حملت رمزية غارقة في التاريخ، إذ إنها الأولى لرئيس وزراء لبناني منذ أكثر من عقد. اجتمع ميقاتي بالشرع وركزا على البحث في الملفات الشائكة وفي مقدمها قضايا الحدود، ومكافحة التهريب، وتشكيل لجان مشتركة لمتابعة الملفات الأمنية التي ظلت تؤرق العلاقات منذ سنوات.

 

مع تأليف حكومة جديدة، استكمل رئيسها نواف سلام المسار، فزار دمشق رسمياً، في خطوة وصفتها بيروت بأنها تصحيح لمسار العلاقات وإعادة بنائها على أسس جديدة من الاحترام والسيادة، بعيداً من التدخلات السابقة. ناقش الطرفان قضايا الحدود البرية، ومكافحة التهريب، واستعادة الثقة، فضلاً عن ملفّ اللاجئين السوريين في لبنان الذي ظل من أكبر قضايا النزاع بين البلدين، إضافةً إلى ملفات اغتيالات سياسية سابقة يُتهم النظام السوري السابق بأنه كان وراءها.

 

ولم يقتصر اللقاء على بنود ثنائية، فقد ظهرت رسائل دولية وإقليمية تعزز جدية هذا التقارب. ففي مناسبات متعددة حضر الشرع وسلام فعاليات عربية مشتركة، كان آخرها لقاءات على هامش منتدى الدوحة في كانون الأول الجاري، حيث شدّد الجانبان على رغبة مشتركة في تطوير التعاون وتعزيز العلاقات الثنائية أمام شركاء دوليين، في مؤشر لعلاقة لم تعد حصرية بين بيروت ودمشق، وإنما باتت جزءاً من لعبة أوسع لإعادة اندماج سوريا في المحيط العربي.

 

وفي موازاة الزيارات الرسمية، جاءت زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني لبيروت في تشرين الأول الماضي، وهي الأولى لمسؤول سوري رفيع منذ سقوط النظام السابق، لتؤكد التحول في نهج النظام الجديد نحو لبنان، إذ تحدث صراحة عن فرصة تاريخية لتحويل العلاقة من أطر أمنية ضيقة إلى شراكة سياسية واقتصادية تخدم شعبي البلدين. كذلك أعلن تعليق عمل المجلس الأعلى السوري - اللبناني واعتماد القنوات الديبلوماسية التقليدية، في خطوة ذات طابع سياسي وتقني مهم على السواء لإعادة هيكلة العلاقات على أسس قانونية واضحة.

 

رغم هذا الدفع الديبلوماسي، والإرادة لدى الجانبين، تبقى الملفات الثقيلة عالقة، وسط تعقيدات وتراكمات أفرزتها القبضة السورية الماضية التي تحكمت مدى عقود في السلطة والقوى السياسية اللبنانية، بحيث شلت قدرتهم على التفكير باستقلالية تامة ومن خارج المصالح السورية البحتة للنظام السابق.

 

من أبرز الملفات التي ستكون على الطاولة هذه السنة، ترسيم الحدود البرية والبحرية، والحوار حول الموقوفين السوريين في لبنان - يُقدّر عددهم بالآلاف- والذي لا يزال في طور التفاهمات القضائية المشتركة، في ظل استمرار التعقيدات المرافقة للموقف اللبناني من الإفراج عن موقوفين متهمين بقتل عسكريين لبنانيين، علماً أن الشرع يعوّل كثيراً على إطلاق هؤلاء بسبب الضغط الشعبي الذي يتعرض له من أهالي الموقوفين في الداخل السوري.

 

والواقع أنه لا يزال دون توقيع الاتفاق القضائي عراقيل تحتاج إلى تفاهمات في شأنها. كما أن ملف اللاجئين والعودة المنظمة يُعدّ تحدياً اجتماعياً وسياسياً في الداخل اللبناني، في ظل الأزمة الاقتصادية والضغوط الاجتماعية المتزايدة، علماً أن هناك عددا لا بأس به قد عاد إلى سوريا مع قرب انطلاق الورش الإعمارية الضخمة الموعودة فيها.

 

ملف آخر لا يقل أهمية، يتصل بالاتفاقات الثنائية التي تجنح لمصلحة سوريا وتحتاج إلى تعديلات.

 

وإذا كان عام 2025 قد وضع اللبنة الأولى في مسار إعادة التواصل العميق بين بيروت ودمشق، فإن سنة 2026 تشكل بوابة اختبار حقيقي لقدرة البلدين على تحويل الزخم الديبلوماسي إلى نتائج ملموسة على الأرض، تُجسّد حواراً حقيقياً في ملفات تعني الأمن، والاقتصاد، والسيادة، وتضع حداً لأزمات الماضي في تاريخ الجوار العربي. وتبدو الفرصة اليوم متاحة في ظل قرار متخذ على مستوى قيادتي البلدين لطي صفحة الماضي القاتمة وفتح صفحة مبنية على أسس المصالح المشتركة مع احترام سيادة كليهما.

 

المهمة شاقة بعد كل المعاناة في زمن الوصاية، بحيث يبدو صعباً على اللبنانيين التصديق أننا دخلنا مساراً جديداً في منطقة وجوار يتطوران نحو التسويات. ولبنان مدعو إلى تقبل الواقع الجديد وعدم الانزلاق إلى السير بوصاية سورية من نوع آخر!

 

[email protected]



 

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 12/30/2025 9:09:00 AM
العميد أحمد الدالاتي قائد أمن ريف دمشق تابع بشكل مباشر قضية حمزة
المشرق-العربي 12/30/2025 5:55:00 PM
إطلاق نار كثيف قرب قصر الشعب والمزّة 86 في دمشق، مع أنباء غير مؤكدة عن عملية اغتيال.
المشرق-العربي 12/30/2025 8:12:00 PM
شقيق أبو عبيدة يكشف تفاصيل عن اشتباك خاضه الناطق السابق باسم القسام في شمال غزة
المشرق-العربي 12/30/2025 11:15:00 PM
المرصد السوري يرد على نفي الرئاسة السورية لاطلاق نار في محيط قصر الشعب