2026... والعالم
كان 2025 عاماً صاخباً في الكلام، فقيراً في الحسم. لذلك لا يدخل العالم 2026 على مهل؛ يدخلها وهو محاصر بملفات مفتوحة من واشنطن إلى كييف، ومن غزة إلى طهران، ومعها اقتصاد يضغط وأمن يختبر الردع.
اقتصادياً، تدخل واشنطن العام وظهرها مثقل بالدَّين وعجز الموازنة، وهذا يكفي ليجعل البيت الأبيض أقل صبراً: كل ملف يتحول إلى ورقة ضغط، وكل أزمة إلى اختبار نفوذ. وأوروبا لا تملك ترف المناورة؛ حرب أوكرانيا استنزفتها، والتضخم ترك أثره على السياسة الداخلية، لذلك تتحدث عن "قدرة دفاعية أوروبية" من دون أن تقطع الحبل مع الولايات المتحدة.
وما يزيد السنة حساسية أن واشنطن تغيّر تعريف دورها. استراتيجية الأمن القومي 2026 لا تتحدث عن ضامن للنظام الدولي، بل عن إدارة تريد اشتباكاً أقل وتسويات أكثر، وتعيد ترتيب الأولويات بمنطق دوائر نفوذ بدل نظام عالمي واحد. هذه اللغة تُقلق الحلفاء، وتمنح الخصوم مساحة للمناورة.
في الشرق الأوسط لا توجد نهاية سهلة؛ هناك انتقال من جبهة إلى أخرى. إسرائيل تمشي نحو انتخابات قبل نهاية 2026، والانتخابات تُغري السياسي باستعراض القوة أكثر مما تُغريه بتسوية. غزة ولبنان وإيران ساحات تُفتح وتُغلق حسب الحسابات، والبحر الأحمر حاضر ما دام الحوثي يعيش على السلاح ويحوّل الملاحة إلى رهينة. هنا تصبح حضرموت والمهرة مفتاحاً للحل، فتأمينهما يعني قطع شرايين التهريب وتحصين البر بما ينعكس على البحر مباشرة. وفي الخلفية، إيران وإسرائيل لا تستريحان، كل طرف يعالج ما انكشف في حرب الأيام الإثني عشر. طهران تعيد حساب الدفاع الجوي والصواريخ، وتل أبيب تسرّع الاعتراض والليزر. والسودان يدفع ثمن حرب يطيلها من يراهنون على العودة عبر الفوضى، وسوريا بين فرصة استقرار وساحة شدّ.
في العراق، شعار "حصر السلاح بيد الدولة" صار معيار تشكيل الحكومة المقبلة. هناك من بدأ يلمّح للانتقال من السلاح إلى السياسة، وهناك من يرفض أي مسار نزعٍ واضح؛ ما يعني أن الامتحان الحقيقي هو قدرة بغداد على تثبيت قرار الدولة وتسوية وضع "الحشد" بخطة لا تفتح البلد على صدام. وفي لبنان، العنوان نفسه حاضر: الدولة تُطالب باحتكار السلاح فعلاً، لكن الطريق يمر عبر تفكيك البُنى التي تُبقي السلاح قادراً على إعادة إنتاج نفسه، سواء كانت مسارات التمويل، أو شبكات تُدار كبديل من الدولة، شرط ألا تُدفع التكلفة على الحلقة الأضعف، بينما تبقى المنظومات الأقدر على الالتفاف في مأمن.
وتدخل حرب أوكرانيا عامها الرابع، لكن قرارها الفعلي لن يكون على خطوط القتال وحدها، بل في عواصم الدعم: حجم السلاح، سقف التمويل، وحدود التسوية التي يريدها الداعمون.
وفي آسيا، تايوان ليست عنواناً بعيداً. أي اهتزاز هناك ينعكس فوراً على الاقتصاد العالمي لأن الجزيرة في قلب سلسلة الرقائق وأشباه الموصلات. والذكاء الاصطناعي لم يعد نقاشاً تكنولوجياً، بل صار معيار تفوّق الدول بين من يستثمر في المستقبل ومن يستهلك الوقت في الماضي.
أما فنزويلا، فهي مثال على عودة واشنطن إلى منطق الحديقة الخلفية. حضور بحري وضغط سياسي تحت فكرة قديمة، أن نصف الكرة الغربي مجال نفوذ أميركي، لكنها تُطرح اليوم في زمن التنافس مع الصين وروسيا.
في 2026، الخيط الذي يجمع هذه الملفات واحد: عندما يضيق الهامش في واشنطن وأوروبا تُشدّ الحبال في الخارج، وعندما تتعب الجبهات في الإقليم يعود السؤال بوجهٍ جديد: من يملك قرار الدولة ويضبط السلاح والحدود؟ لأن الفوضى تعيش على الفراغ. لهذا تبدو السنة المقبلة أقل شعارات وأكثر حساباً: إمّا دولٌ تُمسك زمامها فتقلّ تكلفة المغامرة، وإما ساحاتٌ تبقى معلّقة فتدفع الثمن جبهة بعد جبهة.
في 2026، تتراجع قيمة "السياسة الانطباعية" لأن الواقع صار أثقل من الصورة. الملفات التي أمامنا لا تُدار بالرموز ولا بالمقابلات، بل بقرارات تُقاس على الأرض. إنها سنة "الإيضاحات"... سنة حسم الملفات العالقة.
نبض