إيران تعيد التموضع شمالاً: الجغرافيا بدل العقيدة

كتاب النهار 15-12-2025 | 05:09

إيران تعيد التموضع شمالاً: الجغرافيا بدل العقيدة

إيران لم تقطع علاقاتها مع تركمانستان أو أذربيجان رغم تقاربهما مع إسرائيل، إدراكاً منها أن الحفاظ على نفوذها شمالاً يعزز أهميتها الجيوسياسية لدى القوى الغربية والقوى الإقليمية جنوباً. 
إيران تعيد التموضع شمالاً: الجغرافيا بدل العقيدة
من زيارة الرئيس الايراني لكازاخستان
Smaller Bigger

 
 تشهد منطقة آسيا الوسطى وجنوب القوقاز تحولاتٍ متسارعة جعلت منها قطباً مقابلاً لمنطقة الشرق الأوسط، ما شكّل حالةَ جذب وتفاعل بين الطرفين. إذ ساهمت سياسة التوازن بين الشرق والغرب التي انتهجتها دول الشرق الأوسط في إعادة الاعتبار إلى الدول المحاذية لروسيا والصين، وفي منحها موقعاً أكثر فاعلية في المعادلات الإقليمية. وترافق مع ذلك بروز منظمات إقليمية ترتبط بمصالح قوى إقليمية أكبر، من بينها منظمة الدول التركية التي تطورت من فكرة مجلس تعاون بين الدول الناطقة بالتركية، وهدفها تشكيل تكتل سياسي واقتصادي يجعل من تركيا بوابة بين الشرق والغرب، ضمن مسار يستند إلى فكرة الأمة الطورانية وقوميتها الموحدة.
ولا تزال هذه المنطقة، منذ انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991، في مرحلة إعادة اكتشاف الذات، وبدأت دولها التفكير في توسيع علاقاتها خارج نطاق محيطها، مستفيدةً من موقعها كبوابة برية نحو آسيا، وما تمتلكه من موارد ضخمة من النفط والغاز والمعادن. وفي هذا السياق، تكثفت الاجتماعات الدورية مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، لأهداف تتعلق بتطوير الممر التجاري والاقتصادي الأوسط الذي يربط آسيا بأوروبا، إلى جانب جذب الاستثمارات الغربية إلى منطقة تشهد منافسة مع روسيا والصين. 
وتبدو هذه الجهود، في مجملها، محاولةً غربية لاحتواء القوة "الأوراسية" الصاعدة بقيادة روسيا، التي تعمل بالتعاون مع شركاء مثل الصين وإيران، على تفكيك نظام الأحادية القطبية، ومحاصرة "الأطلسية" التي تقودها الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، وهو صراع تجلتْ إحدى نتائجه بالحرب الأوكرانية. كما يعكس انضمام دولةٍ أوراسية مثل كازاخستان إلى الاتفاق الإبراهيمي مستوى التفاعل الذي دخلته آسيا الوسطى، وإدراجها ضمن محور السياسة الخارجية الأميركية.


بوابة نحو الشمال
في إطار هذه اللعبة الجيوسياسية، تدرك إيران مكانتها كبوابة بين الشرق الأوسط وحدودها الشمالية، وهو ما دفعها إلى إطلاق مشروع ممر شمال–جنوب بالشراكة مع الهند وروسيا، إلى جانب مشروع ممر شرق–غرب الذي يربط الصين بأوروبا مروراً بآسيا الوسطى والأراضي الإيرانية وجنوب القوقاز. وفي هذا السياق، سعتْ طهران إلى منع إنشاء ممر زنغزور الذي من شأنه قطع حدودها مع أرمينيا، وهو ما تكلل بانضمامها إلى ممر الصين-آسيا الوسطى-غرب آسيا (CCWA)، بما يجعل من أراضيها منفذاً بحرياً نحو المياه الدولية.
ومن هنا يمكن فهم السياسة الإيرانية الجديدة حيال  جوارها الشمالي باعتبارها إدراكاً للتحولات الجارية وسعياً لتصحيح أخطاء سابقة. فإيران لم تقطع علاقاتها مع تركمانستان أو أذربيجان رغم تقاربهما مع إسرائيل، إدراكاً منها أن الحفاظ على نفوذها شمالاً يعزز أهميتها الجيوسياسية لدى القوى الغربية والقوى الإقليمية جنوباً. 
وقد تجسد ذلك في زيارة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، الأسبوع الماضي، لكازاخستان -أكبر دولة حبيسة وصاحبة الاقتصاد الأكبر في آسيا الوسطى- ثم مشاركته في قمة "السلام والثقة" التي استضافتها تركمانستان، بوابة العبور براً نحو آسيا الوسطى. ويؤدي تعزيز ممر العبور بين كازاخستان وتركمانستان وإيران إلى تمهيد الطريق لانضمام طهران إلى رابطة دول آسيا الوسطى المستقلة، في خطوة تمثل تتويجاً لجهودها في استعادة مكانتها التاريخية شمالاً عبر الديبلوماسية التجارية والاقتصادية.
والمحصلة، أن إعادة تركيز إيران على جوارها الشمالي لا تقتصر على مواجهة العقوبات الغربية فحسب، بل تعكس إدراكاً أن ذلك يعزز تموضعها في معادلة التنافس بين الشرق والغرب. كما تتصل هذه السياسة بمنافسة مشاريع إقليمية في منطقة تُعد امتداداً تاريخياً لثقافتها وحضارتها، في مقابل الرؤية القومية التركية التي تُطلق على آسيا الوسطى اسم "تركستان"، وهو ما سيترك أثره، على توجهات السياسة الإيرانية لاحقاً، بتعزيز الروح القومية أكثر من النزعة المذهبية.


العلامات الدالة

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 12/14/2025 12:14:00 AM
"رويترز" عن ثلاثة مسؤولين سوريين: "الرجل الذي هاجم قوات سورية وأميركية هو فرد من قوات الأمن السورية".
العالم 12/14/2025 1:31:00 PM
 "إيه بي سي" الأسترالية عن الشرطة: نعمل على تفكيك عبوة ناسفة يدوية الصنع في منطقة بوندي
دوليات 12/14/2025 3:19:00 PM
تحوّل صاحب متجر الفواكه أحمد الأحمد إلى "بطل بوندي" بعدما انتزع سلاح أحد المسلحين خلال هجوم على احتفال الحانوكا في شاطئ بوندي بسيدني، منقذًا عشرات الأرواح قبل أن يُصاب ويُنقل إلى المستشفى.
الولايات المتحدة 12/14/2025 6:16:00 AM
الظهور الأخير للمسلّح كان وهو يغادر المبنى، ولم يتم العثور على أي سلاح.