حصار العدّ العكسي للسنة اللبنانية "الواعدة"
لا تتسع أجندة الأولويات اللبنانية الراهنة لأيّ استباق في سوق التكهنات حول ما إن كان استحقاق الانتخابات النيابية الذي يحين موعده في أيار/مايو المقبل سيجري حتماً أم ستطيحه التطورات التي يُخشى أن تشهدها "الجبهة" اللبنانية – الإسرائيلية على خلفية التهديدات المتصاعدة بتصعيد إسرائيلي واسع مع مطلع السنة المقبلة.
ومع ذلك، لا يبدو المشهد الداخلي في لبنان، برغم التجميل المنمّق والمغالى فيه لبعض جوانب قليلة في إنجازات حكومية، جاهزاً فعلاً لترجمة الوعود التي يقطعها بنبرات حاسمة وجازمة المسؤولون اللبنانيون للموفدين الأجانب أو عبر التصريحات أو المقابلات الإعلامية، حيال الاستحقاقات الداخلية وأولوياتها وفي مقدمها الاستحقاق الانتخابي.
يقود ذلك إلى معاينة جانب خطير، لا يمكن أن تحجبه أولوية الحديث الدائم عن ملفّ نزع سلاح "حزب الله" والتهديدات الإسرائيلية بعملية واسعة أو بتصعيد الضربات بعد نهاية "مهلة أميركية" يقال على نطاق واسع إنها مُنحت للبنان قبل انفلات التصعيد مجدّداً. هو الجانب المتعلق بكل الملفات الداخلية الضاغطة المنتظرة على رفّ الانتظار والتريّث والترحيل والتأجيل، فيما تضغط الأوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية بقوّة لبتّها والالتفات إليها وعدم الاختباء وراء أولوية حصرية لا تتداخل كل يوم وكل ساعة في اهتمامات اللبنانيين. فمع حلول كانون الثاني/يناير المقبل، سيطفئ عهد الرئيس جوزف عون سنته الأولى وتقترب حكومة الرئيس نواف سلام من العد العكسي لسنتها الأولى على وقع العد التنازلي لإنجاز الانتخابات النيابية في أيار/مايو. وإن كان نزع سلاح "حزب الله" شكّل وسيشكّل "نجم" السنة اللبنانية الحالية من دون منازع، فإن السنة الجديدة ستحلّ على وقع خطرين متلازمين سواء بسواء: خطر تجدّد التصعيد الحربي من جهة وخطر إطاحة الاستحقاق الانتخابي بكلّ ما ينطوي عليه من تداعيات سلبية على صورة العهد والحكومة والدولة والمؤسسات من جهة أخرى. ما يستدعي استباق الأمور وسوق التكهّنات والاجتهادات من الآن هو السلوكيات المحبطة لمعالجة واحتواء الأزمة المتعلقة بقانون الانتخاب وانتخابات المغتربين اللبنانيين التي أحدثت انقساماً عمودياً بين غالبية الكتل النيابية والثنائي الشيعي، وخصوصاً بين الأكثرية ورئيس مجلس النواب نبيه بري، بما أدّى إلى تعطيل جلسات المجلس التشريعية التي كان يُفترض أن تحسم النزاع.
هذه الفترة "القاتلة" من التعطيل أتاحت لرئيس المجلس والثنائي الشيعي، على رغم كونهما الأقلية النيابية راهناً، فرض أمر واقع سيؤدي إلى إسقاط انتخاب المغتربين في أماكن انتشارهم في العالم، وتالياً منع تعديل القانون على رغم وجود اقتراحات قوانين ومشروع قانون مقدّم من الحكومة أمام مجلس النواب.
صادر رئيس المجلس إرادة الأكثرية النيابية والسياسية، وعجزت الأكثرية، ومعها العهد والحكومة عن مواجهته بما يعني أن البلد مقبل في الأشهر الأولى من السنة المقبلة على معركة سياسية عنيفة للغاية لا يمكن تجاهل احتمال أن تؤدي إلى إطاحة إجراء الانتخابات في موعدها وسقوط صدقية التعهدات الرسمية الرئاسية والحكومية بإجرائها مهما كان الثمن.
لن يقف الأمر عند هذه الحدود، إذ إنّ "خليطاً" مفترضاً من تداعيات خطيرة لتصعيد إسرائيلي واسع في حال حصوله وتداعيات مماثلة لاحتدام أزمة سياسية نيابية حادة مع انطلاق العد العكسي لاستحقاق أيار الانتخابي، سيعني حتماً عودة خطر الفوضى السياسية العارمة والتخبّط الداخلي في ما يشبه حقبات سابقة من الفوضى ولو بفارق وجود رئاسات غير شاغرة ومؤسسات تعمل شكلاً.
ليس في الأمر تهويل ولا تضخيم، فلبنان مفطور على استعادات فورية لآفات لم تفارق تركيبته وطبقته السياسية. والفوضى غالباً ما طبعت حقبات يُخشى أن تكون المرحلة الآتية من استعاداتها.
نبض