التصوّر الإسرائيلي للمرحلة الثانية من خطة ترامب يجعل "الخط الأصفر" الحدود الدائمة في غزة
ربما هي من المرات النادرة التي يتحدث فيها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن المرحلة الثانية من الخطة الأميركية لغزة. وقد أشار إلى ذلك بحضور المستشار الألماني فريدريك ميرتس، الذي بات أول زعيم أوروبي يزور إسرائيل منذ العزلة الدولية التي فُرضت على الدولة العبرية بسبب حرب السنتين على غزة.
من خلال الحديث عن اقتراب تنفيذ المرحلة الثانية من الخطة الأميركية، أراد نتنياهو في حقيقة الأمر بعث إشارة إيجابية إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي أطلق الأربعاء تصريحاً بهذا المعنى، رابطاً الشروع بهذه المرحلة بتشكيل المؤسسات الأمنية والسلطوية البديلة من "حماس"، ولا سيما "مجلس السلام"، وحكومة التكنوقراط، وقوة الاستقرار الدولية. وهناك تقديرات أميركية بإمكان تحقيق اختراق في هذا الشأن مع مطلع العام المقبل.
لكن ما مدى واقعية هذه التقديرات، بالنظر إلى ما اعترى تنفيذ المرحلة الأولى من شوائب وانتهاكات إسرائيلية؟ في المرحلة المذكورة، فرضت الحكومة الإسرائيلية تصوّرها الخاص لوقف النار. وتظهر دلائل كثيرة باستعدادات إسرائيلية لتجربة مماثلة في المرحلة الثانية، بدأت مقدماتها بالظهور مع إعلان رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير، الأحد، أن "الخط الأصفر يشكّل خط حدود جديداً، وخط دفاع متقدماً للمستوطنات، وخط هجوم".
وهذا ما يعني استمرار الاحتلال الإسرائيلي لأكثر من 53 في المئة من قطاع غزة، بينما تنص بنود الخطة الأميركية على أن القوات الإسرائيلية يجب أن تنسحب إلى شريط حدودي ضيّق في المرحلة الثانية، وأن تتخلى "حماس" عن سلاحها.

بالنسبة إلى النقطة الأخيرة، فإن إسرائيل نفسها وضعت العقبات أمام الجهود المبذولة للتوصل إلى صيغة تُقنع الحركة بالتخلي عن السلاح. والإصرار على استسلام مقاتلي "حماس" المحاصَرين في أنفاق رفح أو قتلهم، أجهض أفكاراً تقدّمت بها إدارة ترامب والوسطاء لإيجاد حل لهذه المسألة. كان يمكن لرفح أن تصير نموذجاً يُطبّق على نحو أوسع على صعيد تخلي الحركة عن سلاحها.
معظم الدول التي أبدت استعدادها للمساهمة بجنود في قوة الاستقرار الدولية ترفض أن يُناط بهذه القوة مهمة نزع سلاح "حماس". وفي وقت لم يتوصل فيه الوسطاء بعد إلى صيغة محددة تقبل بها الحركة، فإن إسرائيل ستتخذ من ذلك ذريعة لعدم تنفيذ انسحابات جديدة من القطاع، الذي سينقسم بحكم الأمر الواقع إلى شطرين: شرقي تسيطر عليه إسرائيل، وغربي تسيطر عليه "حماس". وهنا يُفهم مغزى كلام زامير عن "الحدود الجديدة".
لكن أميركا ليست بعيدة عن احتمال نشوء مثل هذا الوضع. وهي تحتاط لذلك بخطة بديلة عمادها العمل على إعادة الإعمار في المناطق المحتلة، على أمل أن يشكل ذلك عامل جذب للفلسطينيين المقيمين في المناطق التي لا تزال تحت سيطرة "حماس".
والتصور الإسرائيلي للمرحلة الثانية يُلقي بظلال من الشك إزاء إحراز مزيد من التقدم في ما يتعلق بإرساء سلام مستدام في غزة. وهذا ما يحذّر منه الوسطاء الذين يرفضون تقسيم غزة. وفي هذا السياق، لم تقبل مصر بقرار إسرائيل فتح معبر رفح في اتجاه واحد، تأكيداً على هذا الرفض.
نبض