في الطريق إلى سوريا ومنطقة جديدتَين

كتاب النهار 08-12-2025 | 05:08

في الطريق إلى سوريا ومنطقة جديدتَين

قد لا تكون وتيرة التغيير بمستوى حاجات بلد خارج من حرب خطفت نحو مليون من أبنائه ودمّرت الكثير من عمرانه، إلا أن الحكم الجديد قطع مسافة كبيرة بين العزلة التي كانت والانفتاح الذي صار.
في الطريق إلى سوريا ومنطقة جديدتَين
الرئيس السوري أحمد الشرع. (أ ف ب)
Smaller Bigger

في الشهور الأولى بعد سقوط نظام بشار الأسد كانت الأسئلة: هل تستطيع مجموعة جهادية قادت معركة "ردع العدوان" أن تدير بلداً صعباً ومعقّداً مثل سوريا، وإلى أي حدّ هي مؤهلة لهذه المهمة، وهل يمكن أن تلقى قبولاً داخلياً وخارجياً؟ وقبل مرور عام كانت قد ارتسمت صورة مذهلة للتغييرات التي طرأت، سواء بالنسبة إلى قيادة الحكم أو إلى الطموحات الواعدة للاقتصاد والتنمية وإعادة الإعمار.

قد لا تكون وتيرة التغيير بمستوى حاجات بلد خارج من حرب خطفت نحو مليون من أبنائه ودمّرت الكثير من عمرانه، إلا أن الحكم الجديد قطع مسافة كبيرة بين العزلة التي كانت والانفتاح الذي صار، بين عقوبات جعلت النظام السابق يعيش على التهريب وإدارة جديدة يقدم رئيسها سوريا محوراً للاستثمارات، كذلك بين نظام يطرد ملايين من مواطنيه ليحصل على "مجتمع متجانس" ويضغط على جيرانه ويمارس الابتزاز كلما تلقى عروضاً لاستعادتهم، ونظام يريد عودتهم ولا يسوق الذرائع لردعهم.


لم تعد هناك أسباب موجبة لإبقاء العقوبات، ويفترض أن تُرفع قريباً تلك المرتبطة بـ"قانون قيصر" ولا يتمسّك بها سوى الكونغرسيين التابعين للوبي الإسرائيلي، لكن إعلان الرئيس الأميركي أنه راضٍ عن أداء الرئيس أحمد الشرع ومطالبته إسرائيل بألّا تقوم بأي عمل ينعكس  سلباً على "تطوّر سوريا لتصبح دولة مزدهرة"، شكّلا الدعم الأكثر وضوحاً للحكم الحالي في دمشق. لا يقدّم دونالد ترامب دعماً مجانياً، ويُذكر أنه كان يرغب في الانسحاب من سوريا خلال ولايته الأولى. كان أسلافه يرددون دائماً أن "لا مصالح لأميركا في سوريا"، ربما لأنها كانت مغلقة أمامهم و"سوفياتية" ثم متحالفة مع روسيا وإيران. وفي "الحرب على داعش" بحث الأميركيون في الاستعانة بالقوات المنشقّة عن النظام فاصطدموا بممانعة تركية، لذا اعتمدوا على أكراد "قسد"، لكنهم يكتشفون الآن مصلحة في سوريا موقعاً وقدراتٍ وفرصاً اقتصادية واستراتيجية. 
لا يقتصر الأمر على انضمام سوريا إلى التحالف الدولي لمحاربة "داعش"، أو على التنسيق مع القوات الأميركية لمهاجمة خلايا هذا التنظيم، بل يتعداه إلى أن تبقى سوريا خالية من أي وجود إيراني وأن تتصدّى لتهريب الأسلحة الى "حزب الله" (وفقاً للتهنئة التي تلقاها الأمن السوري من قائد "سنتكوم")، وأن تتيح أيضاً لواشنطن إمكان تحديد حجم النفوذ الروسي في الأراضي السورية. أما في المقلب الجنوبي فترى أميركا - ترامب في سوريا - الشرع "مصلحة" لإسرائيل، غير أن إسرائيل ترى مصلحتها في التحكّم بسوريا وتقطيعها إلى دويلات. لكن هذا يتناقض مع رؤية دول الخليج وتركيا إلى سوريا، ويبدو - حتى الآن - أن ترامب لا يزكّي الأهداف الإسرائيلية، من دون أن يدخل في التفاصيل، لكنه لا يزال بعيداً عن إدراك أن اعترافه بـ"السيادة الإسرائيلية" على الجولان المحتل (عام 2017) هو ما فتح شهية إسرائيل للاستيلاء على مزيد من الأراضي السورية.
لن يتأخّر ظهور التناقض بين النيات الحقيقية لأميركا تجاه سوريا وطموحات دمشق في سعيها إلى بناء الدولة، لكن إذا تطابقتا وظلّ هناك احترام متبادل يدعم المصالح فإن مستقبل سوريا سيغدو مؤثّراً إيجابياً وبسرعة في المنطقة عموماً. هذا ما تراهن عليه الدول التي احتضنت الحكم الجديد، وفي طليعتها السعودية التي فتحت أبواب واشنطن أمام الشرع وفريقه، وكذلك الإمارات وقطر وتركيا التي دعمته بأساليب مختلفة حتى عندما برزت أمامه صعوبات داخلية مع فئات لا تزال تشكّك في إمكان التعاون معه.

واقعياً، تواصل الأطراف جميعاً وضع الحكم تحت الاختبار، تحديداً بسبب الهوية الإسلامية المتشددة التي انبثق منها، برغم أن الرئيس الانتقالي أعطى شخصياً الكثير من المؤشّرات إلى كونه أجرى (مع العديد من رفاقه في الحكم) مراجعة لتجربته السابقة منتقلاً "من الثورة إلى الدولة". لكن الخارج الذي مدّ اليد إليه ينتظر الضوابط التي تؤكّد التوجّه نحو "دولة القانون"، كما يطالبه بـ"المعايير" التي يمكن أن تبعده عن استبطان نمطٍ جديدٍ من الاستبداد.
منذ اللحظة الأولى لسقوط النظام السابق انهالت التحذيرات الخارجية من تفجّر مشكلة الأقليات (بيان اجتماع دولي في العقبة 14.12.2024)، وهذا كان متوقّعاً في أي حال، لكن لم يكن متوقعاً من الحكم الجديد أن يبادر إلى تسويات تفضي إلى إقامة "دويلات" طائفية أو عرقية، بل دعا الى توحّد الجميع في إطار دولة واحدة، وسيظل هذا الاستحقاق ماثلاً أمامه كي تواكب المصالحات الداخلية مسلسل النجاحات في الخارج. وفي الانتظار سيواصل أكراد "قسد" المراهنة على تبدّل الظروف الإقليمية من دون أن يتخلوا عن حلم "دولتهم"، وسيواصل دروز حكمت الهجري المراهنة على إسرائيل لبلورة مشروع "انفصالهم"، وسيواصل العلويون المراهنة على روسيا كي يظفروا بـ"دويلة"، ولا مشروع للمسيحيين سوى ترسيخ وطنيتهم وأصالتهم في البلد علّهما تؤكّدان أن "تحوّل" الإسلاميين حقيقة أو تكشفان أنه مجرد تمويه. 
   

      

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 12/8/2025 6:32:00 AM
تلقّى اتصالاً من قيادته الإيرانيّة في الخامس من كانون الأول/ديسمبر 2024، أي قبل ثلاثة أيام من سقوط الحكم السابق، طلبت منه فيه التوجّه إلى مقرّ العمليات في حيّ المزة فيلات شرقية في العاصمة صباح الجمعة في السادس من كانون الأول/ديسمبر 2024 بسبب "أمر هام".
المشرق-العربي 12/8/2025 7:07:00 AM
ألقى الشرع كلمة قصيرة بعد الصلاة قال فيها: "سنعيد بناء سوريا بطاعة الله عز وجل، وبنصرة المستضعفين، والعدالة بين الناس"
سياسة 12/7/2025 9:18:00 AM
"يديعوت أحرونوت": منذ مؤتمر مدريد في أوائل التسعينيات، لم يتواصل الدبلوماسيون الإسرائيليون واللبنانيون مباشرةً