كيف حافظ الخليجيون على أنجح تكتل عربي؟

كتاب النهار 02-12-2025 | 04:55

كيف حافظ الخليجيون على أنجح تكتل عربي؟

مع انعقاد القمة الخليجية في البحرين غداً، يحق لأكثر من ثلاثين مليون خليجي أن يسعدوا باستمرار مجلسهم لستة وأربعين عاماً...
كيف حافظ الخليجيون على أنجح تكتل عربي؟
استضافت البحرين 7 قمم خليجية، وفي الصورة قادة الخليج في قمة المنامة عام 2016. (أرشيف)
Smaller Bigger

عمر مجلس التعاون الخليجي 46 سنة، وسيعقد قمته السادسة والأربعين يوم الأربعاء 3 كانون الأول/ديسمبر في البحرين، أي أن هذا المجلس حافظ على بقائه لأكثر من أربعة عقود، واستمر في عقد قممه بانتظام شديد، ومن دون انقطاع، منذ تأسيسه خلال قمة أبوظبي الأولى في 25 أيار/ مايو 1981.

 

هذا الانتظام المؤسسي له قيمة سياسية كبرى لا تقدّر بثمن، خاصة عند مقارنته بأداء جامعة الدول العربية، التي تأسست عام 1945، والتي عقدت ما مجموعه 51 قمة عربية عادية وطارئة واقتصادية خلال ثمانين سنة تقريباً، لكنها أخفقت في تحقيق الحد الأدنى من الاندماج العربي. فكيف حقق الخليجيون ما عجز عن تحقيقه بقية العرب؟

إن أول نجاح مهم يحققه مجلس التعاون الخليجي هو حرص دوله على استمرار وانتظام عقد قممه السنوية، لتؤكد أن المجلس مكسب خليجي رسمي وشعبي لا يجوز التفريط به، وأنه جاء ليبقى ويستمر ويتطور بتأنٍ وواقعية وبرغماتية خليجية، وفي خط تصاعدي متدرّج، خطوة بعد خطوة، ولبنة فوق أخرى.  

ربما لم يكتمل بناء البيت الخليجي بعد، ولم يحقق مجلس التعاون الحد الأقصى من طموحات التعاون والتنسيق الدفاعي والسياسي والاقتصادي، لكنه بالتأكيد حقق الحد الأدنى من الاندماج الاقتصادي الخليجي. وقد تجسّد هذا الحد الأدنى الاقتصادي في الاتحاد الجمركي الخليجي، الذي دخل حيّز التنفيذ عام 2003، وفي السوق الخليجية المشتركة التي أسست للمواطنة الاقتصادية الخليجية. في المقابل لم تحقق الجامعة العربية حتى هذا الحدّ الأدنى من التعاون الاقتصادي.

وتحقق أيضاً الحدّ الأدنى من التنسيق الأمني والدفاعي الخليجي لمواجهة ظروف إقليمية ومخاطر أمنية معقدة في الجوار الجغرافي. ومن أبرز معالم هذا التنسيق إقرار مبدأ أن أيّ اعتداء على دولة خليجية هو اعتداء على جميع دول المجلس، وذلك وفق اتفاقية الدفاع المشترك الموقعة عام 2000، والتي يجري اليوم تطويرها ومأسستها لتكون نواة لحلف دفاعي خليجي على نسق حلف "الناتو". هذا هو البند الأول على قمة قادة دول الخليج العربي التي ستعقد هذا الأسبوع.

ومن يتابع جانب الاندماج القانوني والتشريعي الخليجي، يلحظ انعقاد اللجان الوزارية والفنية الخليجية على مدار السنة. فهناك نحو 30 لجنة وزارية خليجية تعقد اجتماعاتها بشكل دوري، ومئات اللجان الفنية المنبثقة منها، وبمعدل 200 اجتماع سنوياً. انبثقت من هذه الاجتماعات الوزارية واللجان الفنية آلاف من التشريعات والأنظمة والمواصفات الخليجية الموحدة في مختلف مجالات الحياة، وحققت مستوى متقدماً من الاندماج التشريعي الخليجي. إن دول الخليج العربي باتت متشابكة ومتداخلة ومترابطة بروابط تشريعية كثيفة يصعب التراجع عنها. كل ذلك بجهد جهيد، وبتوافق وإجماع استطاع أن يحافظ على التعاون الخليجي حتى خلال فترات أزماته البينية.

كما تحقق لمجلس التعاون الحد الأدنى من التفاهم السياسي تجاه ملفات إقليمية ساخنة. فالتفاهم بين العواصم الخليجية في أفضل حالاته حالياً، خصوصاً بين الثلاثي الخليجي، الإمارات والسعودية وقطر، التي تبدو ناشطة ديبلوماسياً والأقوى حضوراً عربياً. وقد ازداد هذا الحضور عالمياً خلال زيارة الرئيس الأميركي ترامب إلى الرياض والدوحة وأبوظبي. وقد تظهر، بين حين وآخر، اختلافات وخلافات في مواقف هذه الدول تجاه بعض الملفات الساخنة، إلا أن التفاهم السياسي بينها – وكذلك مع باقي دول المجلس – أعمق بكثير من الاختلافات المرحلية التي يتم احتواؤها سريعاً بالحوار. فالتباين في وجهات النظر بين الحلفاء أمر طبيعي وموثق في أدبيات العلاقات الدولية، ويبرز حتى بين دول حلف "الناتو"، وهو أقوى حلف عسكري عرفه العالم.

أي مشروع اندماجي إقليمي، بما في ذلك أقدمها وأكثرها نضجاً مثل الاتحاد الأوروبي، يمر بفترات صعود وهبوط، ومساومات بين دوله الحريصة على مصالحها الوطنية أولاً. وينطبق هذا الأمر على النموذج التعاوني الخليجي الذي مر بمحطات مفصلية تقدم فيها خطوة وتراجع خطوات، وعاش أزمات صعبة بين دوله، كان أبرزها الخلاف الخليجي عام 2017، الذي جرى تجاوزه رسمياً في يناير 2021 خلال قمة العلا في السعودية.

لكنه بالرغم من أن الحد الأدنى من التعاون الخليجي تحقق، فإن أمام مجلس التعاون مهمة تحقيق الحد الأقصى المتمثل بالوحدة الخليجية وفق ما نصّ عليه النظام الأساسيّ.

 

تقول المادة الرابعة من النظام الأساسي إن هدف مجلس التعاون "تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولاً إلى وحدتها". ولعل أول خطوة مطلوبة في سياق بلوغ الوحدة الخليجية هي تحويل المشروع التعاوني الخليجي إلى مشروع الاتحاد الخليجي على نسق الاتحاد الأوروبي، وهو هدف طال انتظاره.

وهناك أيضاً ضرورة للعودة إلى مشروع العملة الخليجية الموحدة الذي تعثر لأسباب فنية وخلافات حول مقر البنك المركزي الخليجي. وقد حان وقت تجاوز هذه العراقيل الفنية، والاتفاق على موقع المقر الذي كان مقرراً أن يكون في أبوظبي.

لكن القرار الأهم في سياق الانتقال من مرحلة الحد الأدنى إلى الحد الأقصى في التنسيق الأمني والدفاعي، هو التوافق على بناء القبة الدفاعية الخليجية الفولاذية القادرة على صد أي هجوم جوي أو صاروخي غادر، مثل الهجومين الإسرائيلي والإيراني على قطر.

من حق المواطن الخليجي أن يفرح بما حققه مجلسه التعاوني حتى وإن تم بحده الأدنى، وهو ما لم تحققه دول المشرق أو المغرب العربي. فمع انعقاد القمة الخليجية في البحرين غداً، يحق لأكثر من ثلاثين مليون خليجي أن يسعدوا باستمرار مجلسهم لستة وأربعين عاماً، وأن يحتفلوا بما أرساه التعاون الخليجي من استقرار وازدهار لدولهم. ويحق لهم أيضاً أن يفتخروا بهويتهم الخليجية الجديدة، فهم مواطنون خليجيون بقدر ما هم كويتيون أو سعوديون أو بحرينيون أو قطريون أو إماراتيون أو عمانيون.

لكن من حق المواطن الخليجي أن يطالب قادته المجتمعين في المنامة بالإسراع في بناء القبة الدفاعية الخليجية، التي تحمي أوطانهم من أعداء السلام والاستقرار والازدهار الخليجي، وأن يكرروا طلبهم بأن الوقت حان لقيام كيان اتحادي خليجي ليكون نواة للوحدة الخليجية المنشودة. لقد حافظ الخليجيون بصفتهم العرب الجدد على مشروعهم التعاوني، وهذا إنجاز خليجي ملهم لكل العرب، ومن حقهم أن يحتفلوا بلحظة الخليج في التاريخ العربي المعاصر؛ فهذا هو عصر الخليج العربي الذهبي حيث أصبحت قيادة الأمة خليجية حتى إشعار آخر.

          

الأكثر قراءة

الخليج العربي 12/1/2025 12:53:00 PM
السعودية وروسيا توقعان اتفاقية إعفاء متبادل من التأشيرات لحملة جميع الجوازات
المشرق-العربي 11/30/2025 12:47:00 PM
وزارة النقل العراقية تحسم الجدل: لا وجود لطائرة مركونة في صحراء الوركاء، والصورة المتداولة لطائرة عابرة رصدها القمر الصناعي للحظة واحدة فقط.
المشرق-العربي 12/1/2025 11:51:00 AM
قائد المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي، رافي ميلو، يتفقد مواقع عسكرية على امتداد الحدود مع سوريا ولبنان، للاطلاع على تدريبات القوات وإجراء تقييمات ميدانية للجهوزية.
كتاب النهار 12/1/2025 9:21:00 AM
زيارة البابا يفترض أن تكون مناسبة للمصالحة، وكان ممكناً تخطي البروتوكول فيها، إذ يحق لصاحب الدعوة، كما للشاعر، ما لا يحقّ لغيره.