ثلاثة أيام من الصمت: الخليج بين ذاكرة الغزو وتحول التهديدات 1990- 2025

كتاب النهار 25-11-2025 | 03:58

ثلاثة أيام من الصمت: الخليج بين ذاكرة الغزو وتحول التهديدات 1990- 2025

أمن الخليج قضية فوق إقليمية، ومرتبط بالأمن الدولي؛ تتداخل فيه الولايات المتحدة والصين وروسيا، وقد أصبح لزاماً على دول الخليج أن تأخذ حيطتها وتستفيد من دروس الماضي الصعبة.
ثلاثة أيام من الصمت: الخليج بين ذاكرة الغزو وتحول التهديدات 1990- 2025
باتفاق محمد بن سلمان مع الإدارة الأميركية دخلت المنطقة عصر انتهاء عدم اليقين. (أ ف ب)
Smaller Bigger

في فجر 2-8-1990 اهتزت المنطقة على وقع اجتياح قوات صدام حسين للكويت، في واحدة من أعنف الصدمات الاستراتيجية التي عرفتها منطقة الخليج في العصر الحديث. لم تكن صدمة الاحتلال فقط، بل صدمة ثلاثة أيام من الصمت؛ أيام تردّد فيها العالم، وتجمّد فيها القرار الدولي، وانقسمت الدول العربية على نفسها، ولم تتضح نوايا القوى الكبرى: هل ستحرر الكويت أم تتركها لمصيرها؟ وهل تسمح بانهيار منظومة أمن الخليج؟

ذلك الصمت ترك جرحاً استراتيجياً في الوعي الخليجي، وأن أمن الخليج قابل للانكشاف، وأن التحالفات مهما كانت قوية، قد تتباطأ في اللحظات الحرجة.

بعد 35 عاماً، وجدت دول الخليج نفسها أمام مشهد جديد من التهديدات، ولكن هذه المرة ليست من جيش نظامي، بل من السماء. في 23-6-2025، صواريخ إيرانية تنهال على الدوحة، وبعد ذلك بأشهر في أيلول/ سبتمبر 2025 بدأت صواريخ إسرائيل تتساقط على قطر، في سابقة تاريخية سجّلها العالم.

على الرغم من التناقض الظاهر بين إيران وإسرائيل، فإن الخليج وجد نفسه تحت مرمى القوّتين معاً، وظهر أن التهديد المزدوج أصبح واقعاً جديداً. ومع هذه المتغيّرات جاء الاتفاق الأمني بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والحكومة السعودية من جهة، والإدارة الأميركية من جهة أخرى، بقيادة الرئيس ترامب، ليشكّل نقطة تحوّل في بناء مظلة أمنية طويلة المدى، هدفها منع تكرار سيناريوات الصمت أو المفاجآت.

لم يكن غزو صدام حسين للكويت مفاجأة لدول الخليج بل للعالم أيضاً. لكن الأخطر كان تباطؤ القرار الدولي، وهو ما منح صدام شعوراً بأن المجتمع الدولي متردّد، أو غير قادر أو غير راغب في الدخول في صراع معه.

هذه الأيام الثلاثة العصيبة تركت نتائج استراتيجية، منها الشعور بأن الأمن الذاتي محدود، وفي الجوار قوى كبيرة طامحة، والإدراك بأن التحالفات التقليدية ليست كافية، والقناعة بأن الفراغ الأمني يغري المغامرين.

بعد تحرير الكويت، أصبحت فكرة عدم تكرار الصدمة مركزية في السياسة الخارجية الخليجية، وتمثل ذلك في تعزيز الوجود الأميركي؛ فبعدما كان وراء الأفق أصبح على الأرض، ثم توجّهت دول الخليج إلى الاستثمارات في الدفاعات الجوية والبحرية، واعتمدت تأهيل أبنائها، كقاعدة أساسية للدفاع، وبناء هياكل إنذار مبكرة، وبرامج مراقبة إقليمية فعالة.

على رغم التقدم في التسليح، بعد التسعينيات، لم تكن الحروب قد عرفت طائرات مسيّرة، أو حروباً بالوكالة، أو صواريخ دقيقة، أو حروباً سيبرانية، أو خصوماً غير متوقعين، فإن الأمر اختلف بعد 35 عاماً، إذ أصبحت وسائل الحروب غير مكلفة مثل الطائرات المسيّرة، وأصبحت الحروب بالوكالة أيضاً. منذ 2010 تبنّت إيران استراتيجية في الضغط بالوكالة، وصوّرت على الملأ صواريخ دقيقة يمكن أن تصل إلى أماكن مختلفة من العالم، ضمنها دول الخليج. ثم قامت ببناء شبكات تهريب وتخريب بحريّة، من أجل دفع الحوثي في اليمن إلى الاعتداء المستمر على الأمن والتجارة في البحر الأحمر.

أوضح رسالة أرسلتها إيران مباشرة أنها قادرة على تجاوز الخطوط الحمراء باعتدائها المباشر على المنطقة الشرقية الغنية بالنفط في المملكة العربية السعودية في 2019. وكانت الرسالة الثانية هي ضرب قطر في حزيران/ يونيو 2025. شكّل الحدثان أوضح رسالة بأن إيران قادرة على تجاوز الخطوط الحمراء، وغير عابئة أيضاً بأيّ تحالفات تجريها دول الخليج مع العالم، وأن أمن الخليج ما زال معرضاً لـ "صدمة المفاجأة"!

شكّل اعتداء إسرائيل في أيلول/ سبتمبر 2025 تحوّلاً غير مسبوق؛ فعلى الرغم من التحالف الأميركي - الإسرائيلي، أظهرت الإدارة الأميركية عدم رضاها بشكل واضح، مما جعلها تصدر إعلاناً أن أمن قطر من أمن الولايات المتحدة. ولكن هذا الإعلان هو بتوقيع الرئيس، وليس قانوناً، وفق ما كانت تطالب المملكة العربية السعودية، وهو الذي حصلت عليه بزيارة الأمير محمد بن سلمان الأسبوع الماضي.

التهديد المزدوج هو معادلة جديدة؛ فلأول مرة في تاريخ الخليج يكون التهديد من إيران بوصفها خصماً تاريخياً، وإسرائيل بوصفها قوة تملك علاقات متشابكة مع واشنطن، ولكن قد تتصرّف منفردة خارج المزاج الأميركي.

هذا الازدواج الخطير، يحمل مساحة انكشاف جديدة، ومفاجآت خارج التوقع، وصعوبة في إدارة التحالفات التقليدية.

يقع الخليج للمرة الأولى، ليس بين قوتين متخاصمتين فحسب، بل بين قوتين قادرتين على فعل عسكري فوق أراضيه. لذلك، فإن الحاجة إلى مظلّة ملزمة كانت الهدف من زيارة الأمير محمد بن سلمان أو أحد الأهداف المهمة.

محمد بن سلمان، منذ 2017، كان يدرك الحاجة إلى اتفاق طويل المدى وموثق، وليس مجرد تفاهمات عامة؛ فالخليج لم يعد يريد تكرار تجربة الصمت التي كانت في 1990، أو أزمة الصدمة في 2025، فكلاهما يجب أن لا يعاد.

لذلك، فإن الاتفاق الأخير بين المملكة العربية السعودية والإدارة الأميركية التزام دفاعي أميركي مباشر بحماية السعودية. وعندما نقول السعودية، فمعنى ذلك أيضاً حماية دول الخليج، وتعاون استخباراتي واسع وتطوير دفاعات صاروخية متكاملة على مستوى الخليج، وإنشاء شبكة إنذار مبكر مشتركة، وترتيبات تمويلية واستثمارية وتصنيع مشترك، بما يمنع أي تغول من أيّ طامع.

الاتفاق ليس سعودياً - أميركياً فقط، بل يشمل بنية قابلة للتوسّع، خاصة مع دول الخليج، وربما غيرها من القابلين، الكويت والبحرين والإمارات وقطر إذا رغبت.

أصبح لزاماً اليوم منع أي طرف، حتى الحليف، من اتخاذ إجراءات أحادية تهدد الاستقرار في الشرق الأوسط من وجهة النظر الأميركية.

أمن الخليج جزء من أمن العالم، فهو ليس مجرد منطقة إقليمية، بل مركز توازن عالمي لأسباب كثيرة منها الطاقة، وسلاسل الإمدادات، ومكان عمل لعشرين مليون إنسان من خارجه، وملتقى الأسواق العالمية، التي تتأثر بأي قرار يربك المرور البحري، سواء عبر مضيق هرمز، أو باب المندب. والاقتصاد العالمي لا يتحمل الصدمات. وأيّ هجوم مثل هجمات 2019 على أرامكو يعني ارتفاع أسعار الطاقة وتراجع أسواق المال وتصاعد ضغوط تضخمية عالمية، وأزمات سياسية، خاصة على ضوء الحرب الأوكرانية - الروسية.

أمن الخليج قضية فوق إقليمية، ومرتبط بالأمن الدولي الذي تتداخل فيه الولايات المتحدة والصين وروسيا. وقد أصبح لزاماً على دول الخليج أن تأخذ حيطتها وتستفيد من دروس الماضي الصعبة.

لقد أصبح أمن الخليج أكثر هشاشة من قبل بسبب الانتقال من تهديدات الجيوش إلى تهديدات اللاعبين المتعددين، أو القوى ما دون الدولة. غزو صدام حسين 1990 كان تهديداً فردياً بجيش عراقي. في 2025 وما قبلها كان تهديداً غير مباشر وبغطاء جديد كالصواريخ الدقيقة والطائرات المسيّرة.

الفراغ السياسي في الشرق الأوسط يزيد من هشاشة المنطقة. ثمة شبه فراغ في سوريا، وشبه فراغ في العراق، وصراع كبير في اليمن، وفراغ كبير في لبنان، وهذه المناطق أصبحت بيئات غير مستقرة تنتج مفاجآت أمنية يجب التحسّب لها.

 

باتفاق محمد بن سلمان مع الإدارة الأميركية دخلت المنطقة عصر انتهاء عدم اليقين.


الأكثر قراءة

سياسة 11/24/2025 8:20:00 AM
مصدر إسرائيلي: "حكومة لبنان لن تقوم بمهمة إضعاف حزب الله ولن ننتظر"...
النهار تتحقق 11/24/2025 2:09:00 PM
ستشاهدون روائع. سبائك ذهب وتماثيل ذهبية وصناديق أثرية. ما القصة؟
لبنان 11/24/2025 12:40:00 PM
وكالة الصحافة الفرنسية: مصدر قريب من "حزب الله" يقول إن الحزب منقسم بين رأيين حالياً يفضّل أحدهما الرد على اغتيال الطبطبائي ويدعو الآخر للامتناع عن ذلك
لبنان 11/24/2025 2:26:00 PM
على رأسهم الأمين العام للحزب، الشيخ نعيم قاسم، يليه النائب محمد رعد