مشكلة المياه لا تحل بالدعاء

كتاب النهار 14-11-2025 | 07:17

مشكلة المياه لا تحل بالدعاء

 نشأت على هامش أزمة الماء تجارة رابحة يغطيها نافذون وباتت جزءاً من الحركة الاقتصادية في البلد، ولن يكون بعيداً اليوم الذي يصبح فيه لأصحاب صهاريج المياه نقابة كنقابة المهندسين أو أصحاب المطاعم، أو متعهدي البناء.... وسيفرض هؤلاء وجودهم وكلمتهم كأصحاب مولدات الكهرباء الخاصة الذين حلوا محل الدولة واستقووا عليها وعلى المواطن.
مشكلة المياه لا تحل بالدعاء
اللبنانيون يشترون المياه من أصحاب الصهاريج
Smaller Bigger

ليس العدوان الإسرائيلي المتواصل وتهديد بنيامين نتنياهو بإسرائيل الكبرى هما التهديد الوجودي الكبير للبنان، بل لعل التهديد الأكبر هو من داخله متمثلاً بالانسداد السياسي المستعصي والانهيار القيمي والأخلاقي والفشل الإنمائي وسلسلة من الحوادث الأمنية والظواهر الطبيعية التي تزيد المعاناة ألماً.
لا خلاف على أن الطبقة السياسية فشلت في إدارة البلد فشلاً ذريعاً، بنسب توافق حجم كل فريق ومدى مشاركته في الحكم وتبوّؤ المسؤولية العامة. لا أحد يملك صك براءة وإفادة نجاح في ما تحمل من مسؤوليات، سواء في الحكومة أم في إدارة مؤسسات الدولة،  وهل يجرؤ طرف من الأطراف السياسيين على الزعم أن وزيراً من جماعته نجح في وزارته وحقق إنجازا أو منع الفساد؟
طرق غير صالحة للسير، مستشفيات حكومية شبه منهارة يعشش فيها العجز والفساد، نظام صحي متهالك، سدود فارغة من المياه التي تتسرب من تجاويفها كما يتسرب المال العام ومال المودعين من النظام المصرفي، كهرباء مقترة وبأسعار باتت أغلى من أسعار أصحاب المولدات الخاصة، فوضى في الإدارات ورشى وتعطل للخدمات الضرورية للمواطنين، ارتفاع مطرد في أسعار السلع الأساسية بلا رقيب ولا حسيب، فوضى على الطرق وجرائم قتل وضرب واعتداء على أطفال، نمو في حوادث النشل والسرقة والموت في حوادث السير، انفلات المخالفات للقوانين من دون عقاب (اللهم تنظيم محاضر سير غيابية بحق أصحاب السيارات المركونة إلى جانب الأرصفة في موجات انتقامية من المواطنين الذين تبتزهم مواقف السيارات بأسعارها المتصاعدة) وانعدام الضمير لدى بعض أصحاب المطاعم وتجار المواد الغذائية الذين استغلوا غياب الرقابة ليعيثوا طعناً بصحة المواطنين المساكين، وغير ذلك الكثير من مظاهر انحلال الدولة وتفاقم حالة الفساد المحمي.
كل ذلك في كفة والمشكلة الجديدة والخطيرة التي حلت وستتفاقم في كفة أخرى. إنها مشكلة الجفاف والنقص الحاد في مياه الشرب والاستخدام اليومي التي تتصاعد عاماً بعد عام وتنذر في حال استمرار تناقص معدلات هطول الأمطار بكارثة فعلية مقبلة. 
فشلت كل الحكومات اللبنانية في وضع حلول لأزمة المياه، لا سيما وزراء الطاقة المتعاقبين، كل السياسات المائية كانت ارتجالية وتنفيعية وفئوية وبلا تخطيط حقيقي، فشلت سياسة السدود التي تبين أن أرضها غير صالحة لتخزين المياه التي تسربت إلى باطن الأرض وتبخرت أموال إقامتها وتسللت إلى دهاليز الشركات والمتعهدين المحسوبين على السياسيين. وفشلت أيضاً مشاريع استخراج المياه الجوفية واستثمارها بشكل صحيح. لقد استنفدت شركة الكهرباء كل موازنات وزارة الطاقة على مدى عقود وأزاحت مشكلة المياه عن الواجهة، الماء الذي جعل الله كل شيء حي منه، بات سلعة مكلفة وقد تصبح نادرة في فترة قريبة. يدفع اللبناني فاتورة تتضاعف سنوياً لشركات المياه الرسمية مقابل مياه لا تتدفق من حنفية منزله، ويدفع أضعافاً مضاعفة لصاحب الصهريج الذي يمده بمياه ملوثة غالباً ولا "يعرف أصلها من فصلها". قد يستغني المواطن عن أي شيء الا عن الماء، وقد تفوق الفاتورة الشهرية للماء المئة دولار للمنزل البسيط، وهذه أعلى كلفة للماء في العالم.
لقد نشأت على هامش أزمة الماء تجارة رابحة يغطيها نافذون وباتت جزءاً من الحركة الاقتصادية في البلد، ولن يكون بعيداً اليوم الذي يصبح فيه لأصحاب صهاريج المياه نقابة كنقابة المهندسين أو أصحاب المطاعم، أو متعهدي البناء.... وسيفرض هؤلاء وجودهم وكلمتهم كأصحاب مولدات الكهرباء الخاصة الذين حلوا محل الدولة واستقووا عليها وعلى المواطن.
ليست مشكلة المياه في لبنان من نوع مشكلات السير أو حرائق الغابات، على خطورتها، هي أزمة وجودية حقيقية تفوق بخطورتها كل الأزمات القائمة، ولا تبدو وزارة الطاقة ولا الحكومة ولا الطبقة السياسية بأسرها معنية بها أو مهتمة. الجميع منصرفون إلى حروبهم الشخصية والانتخابية لزيادة غلتهم نائباً أو نائبين.
 وفيما يخطط الأردن والمغرب وتونس ومصر ودول عربية أخرى للانتقال الى موارد جديدة للمياه أبرزها تحلية مياه البحر يغيب لبنان عن أي تخطيط، رغم أن كل المؤشرات والمعطيات العلمية تؤكد أن المنطقة تتجه نحو جفاف متزايد.

المشكلة هي أولاً وأخيراً مشكلة عقل وكفاءة وضمير، وكلها مفقودة، ولا يبقى أمام المواطن إلا الدعاء، لكن المشكلة لا تحل بالدعاء.


العلامات الدالة

الأكثر قراءة

تركيا 11/12/2025 8:41:00 AM
دفع المدير، التلميذ البالغ من العمر 13 عاماً بقوة عن الدرج، ثم ابتعد تاركاً إياه يتألم على الأرض من دون تقديم أي مساعدة.
لبنان 11/13/2025 3:19:00 PM
جعجع: مستقبل لبنان القريب  يجب ألّا يكون محصوراً بين خيارَي الحرب الأهلية أو حرب إسرائيلية جديدة
مجتمع 11/13/2025 4:43:00 PM
أكّد المدير العام للطيران المدني المهندس أمين جابر أنّ التحويل في مسار الرحلات جاء نتيجة الأحوال الجوية القاسية في الشمال.