"قوّة الاستقرار الدولية" في غزة بشروط إسرائيل

كتاب النهار 10-11-2025 | 05:16

"قوّة الاستقرار الدولية" في غزة بشروط إسرائيل

ينبغي أن يتجاهل مجلس الأمن ميثاق الأمم المتحدة والكثير من القوانين الدولية ومن قراراته السابقة، لكي يقرّ مشروع القرار الأميركي لتنفيذ "الخطة الشاملة لإنهاء الصراع في غزّة"
"قوّة الاستقرار الدولية" في غزة بشروط إسرائيل
غزة المنكوبة (أ ف ب).
Smaller Bigger

ينبغي أن يتجاهل مجلس الأمن ميثاق الأمم المتحدة والكثير من القوانين الدولية ومن قراراته السابقة، لكي يقرّ مشروع القرار الأميركي لتنفيذ "الخطة الشاملة لإنهاء الصراع في غزّة". 


فالمشروع، بنصّه الحالي يتطلّب الكثير من النقاش والتعديل، وإلا فإنه سيقرّ رسمياً ونهائياً الفصل بين القطاع والضفة الغربية، بإضفائه "شرعية دولية" على كيان هجين يسمّى "مجلس السلام"، ولا سلطة لمجلس الأمن في تشكيله وتحديد دوره ومراقبة عمله، ليصبح أقرب إلى "مجلس وصاية استعمارية" نظراً إلى تحكّمه بكل شيء، وبمعايير حدّدتها إسرائيل تتكفّل واشنطن تمريرها. كما أن المشروع الذي يهدف إلى قوننة إنشاء "قوة الاستقرار الدولية" يترك الدول المشاركة في غموض بالنسبة إلى مهمات جنودها، وإذا أُدخلت عليه تعديلات كثيرة فقد لا يرضي واشنطن. 

 

ليس سرّاً أن إسرائيل لم تكن تحبّذ إقحام "خطة ترامب" في مجلس الأمن لاستصدار قرار ملزمٍ لها، لأن لها تاريخاً طويلاً من احتقار الأمم المتحدة وانتهاك قراراتها المتعلقة بالشأن الفلسطيني. ومع أنها شاركت في صياغة المشروع الأميركي فإنها تأمل بأن تؤدّي الصياغات الملغّمة بالعموميات والمتروكة للتفاوض إلى نسفه، فتضطرّ واشنطن بعدئذ للعودة الى فكرة تشكيل "قوة الاستقرار" باتفاق دولي خارج الشرعية الدولية هذه، وتكون مرجعيته الولايات المتحدة لا مجلس الأمن.

 

واستباقاً لأي قرار يعطي صلاحيات ميدانية للقوّة الدولية ويقيّد حركة جيشها، تحاول إسرائيل انتزاع مذكرة أميركية تضمن "حقّها" في مواصلة عملياتها العسكرية داخل قطاع غزّة، وسبق لها أن حصلت على ضمانات كهذه بعد حربَي 2006 و2024 ضد ميليشيا "حزب الله" الإيرانية في لبنان. وكان مفهوماً أن واشنطن وإسرائيل تهمّشان قوات حفظ السلام في جنوب لبنان (اليونيفيل). لكن الصلاحيات المفترضة لـ"قوة الاستقرار" تجعلها "قوّة إنفاذ"، والمهمات المتوقّعة منها تختلف عن "حفظ السلام"، وبالتالي فإنها ستكون منخرطة في عملية "نزع سلاح حماس" والفصائل الأخرى. وإذ يشير المشروع الأميركي إلى "تنسيق وتعاون كاملين بين مصر وإسرائيل"، فهذا يفترض إما أنه جرى التفاهم معهما على عمل مشترك ضد "حماس" - وهو ما لم يحصل سابقاً وليس مؤكّداً أن مصر توافق عليه - وإما أن هذا شرط شارط لوجود "قوة الاستقرار" - ولا يُستبعد أن يُقلّص عدد الدول الراغبة في المشاركة في هذه القوة. 

 

إذا أُضيف الى ذلك أن إسرائيل ستستمرّ في عملياتها، بأجندتها الخاصة وانتقاميتها المعروفة، وبحجّة خبرتها بالأرض والأنفاق والبنى التحتية لـ"حماس"، فإنها لن تكون عندئذٍ عاملاً مساعداً بل مخرّباً، وقد تعرّض عناصر القوّة الدولية للخطر أو تصطدم بها. والمعروف قبل تشكيل هذه القوة "العربية- الإسلامية"، أن أهداف الدول المنضمّة إليها تتناقض مع تلك الإسرائيلية، فهي ترمي أساساً إلى تثبيت وقف النار وإنهاء الحرب، وتأمين ما أمكن من الخدمات المعيشية والطبية للغزّيين، وإنشاء وضعٍ يسمح ببدء ورشة إعادة الإعمار؛ لكن الأهم أنها تريد المساهمة في التمهيد لأفق سياسي يتيح تنفيذ "حلّ الدولتين" حتى لو لم يرد ذلك بوضوح في "خطة ترامب"...

 

هذه أهداف لا يمكن أن تكون إسرائيل معنيةً بها في أي ظرف، وكما استطاعت عبر ترامب وخطّته استبعاد أي دور فلسطيني تحت مظلة السلطة الفلسطينية (المُعترف بها دولياً)، فإنها ستحبط أي "تفاهمات" مع "حماس" أو إلزامات لها في شأن سلاحها ومصير عناصرها، حتى لو تمّت بموافقة أميركية. وتعتقد مراجع عدة أن إسرائيل تمكّنت فعلاً من إضعاف "اتفاق غزّة"، سواء بتجميد الشروع في مرحلته الثانية، أو بتعنّتها في شروط فتح معبر رفح للحدّ من دور مصر، أو بالتلاعب بآليات توزيع المساعدات وتحسين الخدمات للحدّ من دور وكالات الأمم المتحدة، أو بخرقها اليومي لوقف النار... فهذه ليست سوى عيّنات من العراقيل المفتعلة لإضعاف الاتفاق. وبطبيعة الحال فإن إسرائيل ترفض أن تستخدم "قوة الاستقرار" القوّة ضد انتهاكاتها وعدوانيتها وتحكّمها بالمعابر والمساعدات.

 

لا يزال نجاح "خطة ترامب" أولوية أميركية، لكن واشنطن لا تبدو مدركة أن شروط إسرائيل كفيلة إفشالها، أو أنها مدركة لكن ملتزمة فرضها على الدول المشاركة في "قوة الاستقرار"، بمنحىً ترغيبي - ابتزازي: إما قبول تلك الشروط وإما إعطاء إسرائيل الضوء الأخضر لاستئناف الحرب... ولا يزال الرئيس ترامب يردّد أن "عملية السلام في غزّة تسير على ما يرام"، وهو قال أخيراً إن عمل "قوة الاستقرار الدولية" سيبدأ "قريباً جداً". وعلى رغم وجود "خلافات" بين واشنطن وإسرائيل في تقويم ما تحقق حتى الآن وما يبقى وهو الأصعب، فإن الأهم عندهما أن الرهائن استُعيدوا وأن الدمار الهائل سيبقى متحكّماً بمستقبل غزّة لسنوات طوال، لكنه يتيح إمكانات عظيمة لمشاريع عقارية ضخمة، ثم أن هناك "شركاء" لاستكمال المهمة وجعل غزّة "كياناً دولياً" يعيش ويعمل فيه فلسطينيون لكن بلا هوية فلسطينية. 

 

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

العالم العربي 11/6/2025 2:49:00 PM
يقاطع التيار الصدري، أحد أكبر التيارات الشيعية في البلاد، الانتخابات ما يجعل المشهد السياسي أمام احتمالات جديدة لتوازن القوى داخل المكونات الثلاثة: الشيعية والسنّية والكردية.
العالم العربي 11/7/2025 6:00:00 AM
مهمة اختيار رئيس الوزراء المقبل ستكون شديدة التعقيد في ظل استمرار الانقسام داخل البيت الشيعي.
العالم العربي 11/7/2025 6:00:00 AM
معركة الصناديق التي ستُفتح الثلاثاء ستفتح بدورها معركة أوسع وأشمل بعد تبيان النتائج.
العالم العربي 11/7/2025 3:10:00 AM
مواكبةً لهذه الانتخابات المفصلية في تاريخ العراق، تفتح "النهار" ملفاً عنوانه "العراق ينتخب: صراع الولاية الثانية"، تقدم فيه قراءة استشرافية لما هو متوقع في دولة تريدها طهران دائماً حديقة خلفية، وتريدها واشنطن أبداً رأس حربة.