ترامب... ساهم في تحوُّل ممداني إلى ظاهرة!
لا شك في أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يعي وعياً تاماً الرسالة غير المطمئنة، التي بعث بها الناخبون في نيويورك الثلاثاء الماضي: لقد تمكن المرشح الديموقراطي الاشتراكي زهران ممداني من اكتساح الانتخابات البلدية، على رغم وقوف ترامب والتقليديين من الحزب الديموقراطي في مواجهته.
يستحق ممداني، أن يوصف بالظاهرة في الحياة السياسة الأميركية، مثله مثل باراك أوباما، وإن كان لا يحق له الترشح للرئاسة بصفته مولوداً في أوغندا ووصل إلى أميركا في سن السابعة. لماذا يمكن وصف ممداني بالظاهرة؟ ذلك، لأنه شكل انقلاباً على "مؤسسة واشنطن" الممثلة بجمهوريين وديموقراطيين. ليست مصادفة أن يدعم ترامب المرشح المستقل أندرو كومو الذي انشق عن الحزب الديموقراطي، بعدما هزمه ممداني في الانتخابات التمهيدية داخل الحزب في حزيران/ يونيو. هنا، التقى ترامب مع رئيس الأقلية الديموقراطية في مجلس النواب حكيم جيفرز ومع زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ تشاك شومر اللذين وقفا إلى جانب كومو. الغريب أن ترامب تجاهل مرشح الحزب الجمهوري كورتيس سليوا، والسبب؟ هو أن حظوظ الأخير بالفوز كانت معدومة في مدينة معروفة تقليدياً بمزاجها الديموقراطي.
منذ لحظة فوز ممداني، يتجه تفكير ترامب إلى انتخابات منتصف الولاية بعد عام من اليوم. يقلقه أيضاً فوز المرشحتين الديموقراطيتين بحاكمية ولايتي فيرجينيا ونيوجيرسي، على رغم أن ترامب وقف إلى جانب المرشحين الجمهوريين في الولايتين.
فهل كانت انتخابات الثلاثاء الماضي، هي مقياس لتحول في الرأي العام الأميركي، الذي أوصل ترامب إلى الرئاسة قبل عام؟ وإذا فعلاً حدث مثل هذا التحول، فمن المسؤول عنه؟ إنه بالدرجة الأولى ترامب نفسه، الذي عاد إلى البيت الأبيض بذهنية الانتقام من كل خصومه، الذين يقاضي بعضهم الآن باتهامات مختلفة. وعلاوة على ذلك، لا تظهر سياسات ترامب الاقتصادية المستندة إلى زيادة كبيرة في الرسوم الجمركية وعلى مناكفة حاكم الاحتياطي الفيديرالي جيروم باول، أي تحسن في الحياة اليومية للأميركيين العاديين. وعلى الصعيد الاجتماعي يزداد الانقسام حدة، في ظل عدم اخفاء ترامب ميله نحو الحركات اليمينية المتطرفة، والذي يترجم في حملات بلا هوادة ضد المهاجرين غير الشرعيين، وفي حرمان جامعات النخبة من التمويل الفيديرالي، بسبب ما يزعمه من تصاعد التيارات اللاسامية، بعد احتجاجات طالبية في 2024 على استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة.
أكثر ما جذب الناخب النيويوركي إلى ممداني، هو توجهه إلى طبقة الفقراء واعداً بتجميد إيجارات المنازل، وجعل النقل العام في المدينة مجاناً، وتحسين السلامة المجتمعية لمنع العنف قبل وقوعه وإعطاء الأولوية للحلول التي أثبتت فعاليتها.
في المقابل، عمل كومو ومن خلفه ترامب على تصوير ممداني بأنه معادٍ للسامية، لأنه وقف ضد حرب غزة، وهدد باعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في حال زار نيويورك، ولأنه رفض التنديد بالدعوات إلى "عولمة الانتفاضة" الفلسطينية للضغط على إسرائيل لوقف الحرب. ومع ذلك، فإن نسبة تصل إلى 32 في المئة من يهود نيويورك أيدوا ممداني.
سؤال آخر يطرح نفسه في هذا السياق: هل يؤدي فوز ممداني إلى صحوة في الحزب الديموقراطي تقوده إلى استعادة الغالبية في الكونغرس العام المقبل وفي استعادة الرئاسة في 2028؟
لا مؤشرات على ذلك، في ضوء تحفظ التيار التقليدي في الحزب الديموقراطي عن السياسة الاشتراكية لممداني، وبسبب مواقفه المنتقدة للحكومة الإسرائيلية. ويرى هذا التيار أن فوز ممداني قد يؤدي إلى ابتعاد جزء كبير من البيض واليهود الأميركيين عن الحزب، بسبب ما يرونه من مواقف راديكالية يعبر عنها رئيس بلدية نيويورك المقبل.
ومع ذلك، يبقى ممداني ظاهرة ينبغي التوقف عندها ملياً.
نبض