تعريف الدولة الفاشلة ومكانة لبنان منها... وعود متكرّرة وإنجازات غائبة

كتاب النهار 07-11-2025 | 06:30

تعريف الدولة الفاشلة ومكانة لبنان منها... وعود متكرّرة وإنجازات غائبة

في لبنان، هناك أمن موجود بالتراضي بين القوى الشرعية وقوى الأمر الواقع التي تملك السلاح.
تعريف الدولة الفاشلة ومكانة لبنان منها... وعود متكرّرة وإنجازات غائبة
عنصر من الجيش اللبناني قرب مركز بلدية بليدا، جنوب البلاد. (أ ف ب)
Smaller Bigger

أحدث تصريح السفير الأميركي في تركيا، والموكل ملفّ سوريا، توم براك، والذي وصف فيه لبنان بالدولة الفاشلة، ردود فعل كبيرة محلياً ودولياً، إذ تباينت التعليقات بين المؤيّد والرافض لكلامه الذي خلا من لغة الديبلوماسية.
ولتقديم مقاربة واقعية وموضوعية حيال الموضوع، تم توجيه سؤال لمحرك البحث في موقع "غوغل"، وجاء ردّ الذكاء الاصطناعي بالتعريف التالي للدولة الفاشلة، بحسب مراجع دولية عدة: "الدولة الفاشلة هي الدولة التي فقدت قدرتها على أداء وظائف الحكم الأساسية، مثل توفير الأمن، والحفاظ على الخدمات العامة، وممارسة السيطرة الفعّالة على أراضيها وسكانها. ويتسم هذا الانهيار في كثير من الأحيان بعدم الاستقرار السياسي، وانتشار الفساد، وانهيار سيادة القانون، وفراغ السلطة الذي يمكن أن تملأه الفصائل أو الميليشيات المتنافسة".
وإذا ما تم تفنيد مؤشرات الدولة الفاشلة حسب التعريف أعلاه، وطبّقنا كلّا منها على الواقع في لبنان، يمكننا أن نستخلص ما يلي:
في موضوع الأمن، هناك أمن موجود بالتراضي بين القوى الشرعية وقوى الأمر الواقع التي تملك السلاح. فالأمن في لبنان لا يشبه غيره من الدول التي يقوم الأمن فيها على احتكار السلاح من قبل القوى الشرعية فقط. فبقوة السلاح، يتمكّن "حزب الله" من فعل ما يشاء بشكل مخالف للقوانين، من تسكير طرقات، واستخدام المعالم الوطنية من دون أي إذن أو ترخيص، ويمنع القوى الأمنية من دخول مناطقه دون تنسيق وإذن مسبق منه.
أما في ما يخصّ الخدمات العامة، فلا تزال المناطق اللبنانية كافة تعاني من أزمة نقص الكهرباء والمياه، رغم إنفاق مليارات الدولارات عليها خلال العقدين الأخيرين. كما أن أزمة النفايات والصرف الصحي لم تَلْقَ أي حلول جذرية، رغم كل المحاولات والمساعي على أكثر من صعيد. ولولا مبادرات القطاع الخاص، لكان جزء كبير من الطرقات مليئاً بالحفر وغير صالح للاستخدام، ولا توجد إنارة في الشوارع. وعليه، فالدولة غير قادرة ذاتياً على توفير معظم الخدمات العامة المطلوبة منها.
لا تملك الدولة اللبنانية السيطرة التامة على أراضيها، بحكم احتلال إسرائيل لعدة تلال في الجنوب، ومنع سكان أكثر من ثلاثين قرية حدودية من العودة إليها وإعادة إعمارها. كما أن استمرار منع "حزب الله" للجيش اللبناني من دخول منشآته العسكرية، يجعل هذه الأجزاء من الأرض خارج سيطرة الدولة.

 

مراسم تشييع عناصر من حزب الله قضوا بهجوم إسرائيلي في النبطية، جنوب لبنان. (أ ف ب)
مراسم تشييع عناصر من حزب الله قضوا بهجوم إسرائيلي في النبطية، جنوب لبنان. (أ ف ب)

 

لم ينعم لبنان باستقرار سياسي منذ سنوات عدة، نتيجة الانقسام العمودي بين ما يُعرف بمحور الممانعة التابع لإيران، والقوى الأخرى المدعومة من القوى العربية والغربية. ومن نتائج هذا الانقسام مراحل الفراغ في الحكم التي شهدتها الساحة اللبنانية منذ عام 2005، إذ كانت هناك سنوات من الفراغ الرئاسي والحكومي، نتيجة فشل القوى السياسية في انتخاب رئيس أو تشكيل حكومة أو تعيين قيادات أمنية. والفراغ المتكرّر في السلطة زاد من هيمنة ونفوذ الأحزاب، خصوصاً تلك التي تملك ميليشيا مثل "حزب الله". وفي حين كانت الدولة عاجزة وتعاني من مشاكل اقتصادية، كان "حزب الله" يوفّر لبيئته في مناطق نفوذه ما تحتاجه من خدمات وأمن ورواتب أعلى بكثير من رواتب موظفي الدولة.
للفساد أوجه عدة في لبنان، يختبرها المواطن العادي يومياً، عندما يحاول تخليص معاملات في الدوائر الحكومية، أو يذهب إلى المصرف لمحاولة سحب أمواله التي جُمّدت بعد الانهيار المالي عام 2019، والذي لم تقم الحكومات المتعاقبة بإصدار أي قوانين تحدد حجم الفجوة المالية، أو تحمّل أي جهة مسؤولية ما جرى، وتعيد للمودعين أموالهم. ويُعتبر فقدان المحاسبة وضعف وجود دولة القانون من أسوأ وجوه الفساد، لأنها تجعل فئة من الناس فوق القانون، ويتمتعون بامتيازات تجعلهم متقدّمين على باقي فئات المجتمع.
لذلك، تبقى العدالة مفقودة أو منقوصة في العديد من الحالات في لبنان، مثل التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، واغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، والعديد من الاغتيالات الأخرى. وهناك من اعتُقل وحوكم وسُجن لحمل السلاح، في حين يتنقّل غيرهم من المواطنين من فئة أخرى بحصانة تامة، دون أي مساءلة.
من الطبيعي أن تشعر قيادات الدولة اللبنانية بانزعاج من توصيف "الدولة الفاشلة"، إنما عليها أن تواجه الحقيقة بتجرّد تام، إن كانت تريد فعلاً التحوّل إلى دولة كاملة الأوصاف وناجحة. وأولى خطواتها يجب أن تكون بممارسة سلطتها بحزم، لتحتكر قواها النظامية السلاح، ما يمكّنها من فرض القانون ومحاسبة المخالفين لردع الفاسدين.
التغيير يأتي بالحزم والمواجهة، لا بالمسايرة والتناغم مع المماطلة. الدويلة تبقى وتقوى نتيجة ضعف الدولة، وتزول بقيام الدولة. المجتمع الدولي يحاسب القيادات اللبنانية على الوعود التي تعطيها، ولذلك، الأجدى بهذه القيادات أن تقلّل الخطابات وتزيد من الأفعال لإحياء الدولة الناجحة.


الأكثر قراءة

سياسة 11/10/2025 5:33:00 AM
قائد الجيش قدّم تقريراً مفصلاً عن سير العمل في خطة حصر السلاح، موضحاً أن المرحلة الأولى التي تشمل الجنوب تسير وفق ما هو مخطط لها
سياسة 11/9/2025 4:03:00 PM
مورغان أورتاغوس تحتفل بعيد ميلاد ابنتها "أدينا آن"
سياسة 11/10/2025 1:06:00 PM
"رويترز" نقلاً عن مسؤولين لبنانيين وإسرائيليين: خطة الجيش لا تشمل تفتيش الممتلكات الخاصة وإسرائيل طالبت بتنفيذ مداهمات للمنازل خلال اجتماعات آلية "الميكانيزم"  في أكتوبر الماضي