سوريا وفرصة بناء مؤسسات دولة مدنية مستقرة!

كتاب النهار 03-11-2025 | 05:17

سوريا وفرصة بناء مؤسسات دولة مدنية مستقرة!

دمشق تحاول التقاط لحظة الانفتاح لتتحول من دولة مثقلة بالحرب إلى دولة تسير نحو التعافي، وتستطيع أن تندمج في محيطها العربي، ولا تشكل أي تهديد لجوارها الإقليمي.
سوريا وفرصة بناء مؤسسات دولة مدنية مستقرة!
الشرع يُصافح بن سلمان خلال زيارته الأخيرة إلى الرياض (أ ف ب).
Smaller Bigger

 في منتدى "مبادرة مستقبل الاستثمار" الذي عقد أواخر تشرين الأول/أكتوبر الفائت في العاصمة السعودية الرياض، ظهر الرئيس السوري أحمد الشرع في واحدة من أكثر الجلسات دلالة على التحولات الإقليمية الواسعة التي أعقبت عملية "طوفان الأقصى"  في 7 تشرين الأول 2023، وما أفرزته الحرب الإسرائيلية الواسعة من تغيرات بنيوية، كان أحد أهم تداعياتها سقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد!

الشرع وفي حوار بحضور ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، عبّر عن تصور الحكم الجديد في سوريا للعلاقة بين السياسة والاقتصاد، وكيفية الخروج من الوضع السابق، مبيناً أن خياراته تتمثل في أن تكون "إعادة الإعمار من خلال الاستثمار، وليس المساعدات، لأننا لا نريد أن تكون سوريا عبئاً على أحد"، كاشفاً فهمه لطبيعة التغيرات في علاقة الدول، والقائمة على "الاسثمار" الذي يتيح منافع متبادلة لمختلف الأطراف، خصوصاً أن السعودية - على سبيل المثال - تسعى إلى تقديم الدعم لسوريا، إنما من خلال آليات جديدة تكون مزيجاً بين "العمل الإغاثي" بطابعة الإنساني، والدعم غير المباشر عبر تنفيذ المشاريع وليس منح الهبات المالية، لأن هذا المنهج هو الأكثر نجاعة وحوكمة، ويحد من تسرب الأموال أو سوء إدارتها!

منذ وصوله إلى الرياض، عقد أحمد الشرع سلسلة لقاءات كثيفة مع وزراء سعوديين: الخارجية، الداخلية، الاتصالات، والاستثمار، ومع رجال أعمال ورؤساء مؤسسات مالية كبرى بينهم رئيس مجموعة البنك الإسلامي للتنمية الدكتور محمد الجاسر، ورئيس مجلس إدارة شركة "المراعي" الأمير نايف بن سلطان بن محمد، وقيادات مجلس الأعمال السعودي – السوري. هذه اللقاءات شكلت رسالة متعددة الأبعاد، في مقدمها أن الرياض ترى في استقرار سوريا وتنميتها ركيزة من ركائز أمن الإقليم، وأن دمشق تحاول التقاط لحظة الانفتاح لتتحول من دولة مثقلة بالحرب إلى دولة تسير نحو التعافي، وتستطيع أن تندمج في محيطها العربي، ولا تشكل أي تهديد لجوارها الإقليمي، وتتعاون في ملفات الأمن ومكافحة الإرهاب، خصوصاً أن تقوية أجهزة الدولة الرسمية وتدريب عناصرها لتكون على كفاءة عالية والتزام القانون، تحد من الانتهاكات التي وقعت في أوقات سابقة وقامت بها مجموعات مسلحة مارست عنفاً راح ضحيته مدنيون أبرياء! ولذا فإن "الأمن" هو مدخل رئيس لأي تنمية مقبلة في سوريا، تضمنها الدولة، لا الفصائل المسلحة أياً يكن انتماؤها!

بالعودة إلى حضور ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لجلسة الرئيس السوري، فإن ذلك يشكّلُ لحظة سياسية مهمة؛ فالمملكة لم تكتفِ بإعادة دمج سوريا عربياً بل أصبحت تتعامل معها باعتبارها دولة تشكل وحدتها مصلحة للأمن الوطني العربي المشترك!

إن قدوم ولي العهد إلى الجلسة لم يكن مجاملة ديبلوماسية، بل إشارة واضحة إلى أن الرياض تعتبر استقرار دمشق امتداداً مباشراً لأمنها الوطني، وإلى أن التحول الاقتصادي لا يمكن أن يتحقق من دون مظلة سياسية تحميه من عودة الصراع الدموي الذي أنهك سوريا لما يزيد عن عقد من الزمن.

السعودية تمتلك اليوم شبكة دعم سياسية ومالية تستطيع أن تهيئ لسوريا مناخاً إيجابياً للتعافي، لكن هذه الشبكة ليست بديلاً من الإصلاح الداخلي الذي على الحكومة في دمشق أن تنهض به. فالمملكة توفر الأرضية والفرص، غير أن البناء يظل مسؤولية السوريين أنفسهم، وذلك عبر تطوير مؤسسات دولة مدنية حديثة، وتحييد الاقتصاد عن الاستقطاب والنفوذ والتكسب غير المشروع، واستعادة الثقة بالمواطنة وسيادة القانون، من خلال العدالة وإشراك جميع السوريين من دون استثناء في عملية الإصلاح، بما يحقق لهم الرفاهية والأمن والتنمية.

 

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 11/2/2025 7:34:00 PM
أفادت شبكة "سي أن أن" الأميركية، استناداً إلى مصادر استخباراتية أوروبية، بأن هناك دلائل إضافية على جهود الجمهورية الإسلامية لإعادة تأهيل قدرات وكلائها، وعلى رأسهم "حزب الله"
كتاب النهار 11/3/2025 5:40:00 AM
يكفي الفلسطينيين إساءة الى لبنان الذي حضنهم، وإساءة الى اللبنانيين على مختالف فئاتهم ومكوناتهم
ثقافة 11/1/2025 8:45:00 PM
بصمة لبنانية في مصر تمثّلت بتصميم طارق عتريسي للهوية البصرية للمتحف المصري الكبير.
ثقافة 11/2/2025 10:46:00 AM
"والدي هو السبب في اكتشاف المقبرة، وكان عمره وقتها 12 عاماً فقط سنة 1922."