ترامب... ماذا يريد من فنزويلا؟
حتى الآن، الحشود العسكرية الأميركية حول فنزويلا توحي أن إدارة الرئيس دونالد ترامب على وشك تنفيذ عمل عسكري كبير ضد نظام الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، وتوريط واشنطن في حرب خارجية أخرى، على رغم أن ترامب يقدم نفسه "صانعاً للسلام" وموقفاً للحروب وليس موقداً لها.
الرواية الأميركية تفيد بأن نظام مادورو، الذي يقيم علاقات وثيقة مع روسيا والصين وإيران، يعمل على رعاية تهريب المخدرات إلى الولايات المتحدة. ولهذا، دأبت البحرية الأميركية في الأشهر الأخيرة على قصف قوارب تزعم أنها عائدة الى تجار المخدرات، مما أسفر عن مقتل العشرات. ويشكك خبراء القانون الدولي في مدى شرعية ما تقدم عليه القوات الأميركية.
لكن ليس ثمة شك في أن لترامب أهدافاً أوسع، فهو يريد أن تكون منطقة الكاريبي خاضعة بالكامل للنفوذ الأميركي، ومكافحة أي نفوذ أجنبي في النصف الغربي من الكرة الأرضية تطبيقاً لـ"مبدأ مونرو"، نسبة للرئيس جيمس مونرو (عام 1823)، الذي اعتبر أن أي تدخل خارجي في دول أميركا اللاتينية بمثابة تهديد للأمن القومي الأميركي.
وعليه، يحاصر ترامب فنزويلا الآن، ويفوض الى وكالة الاستخبارات المركزية "سي آي إي"، تنفيذ عمليات سرية في البر الفنزويلي، بينما تتجه حاملة الطائرات الأميركية "جيرالد فورد" الأكثر تطوراً في العالم، إلى السواحل قبالة فنزويلا، ويجري جنود من مشاة البحرية الأميركية مناورات في ترينيداد وتوباغو المجاورة لفنزويلا.
وتتجاوز الإجراءات الأميركية العسكرية، مسألة الضغط فقط، وتؤذن ربما باجتياح شبيه بذاك الذي نفذه الرئيس رونالد ريغان لغرينادا عام 1983، أو ذاك الذي قام به الرئيس جورج بوش الأب ضد بنما في 1989، وأسفر عن اعتقال رئيسها مانويل نورييغا، بتهمة تهريب المخدرات.
وبذلك، لا يضيف ترامب جديداً إلى مسلسل طويل من التدخلات العسكرية الأميركية في أميركا اللاتينية، كلما رأت واشنطن، أن وجود نظام معين بات لا يتلاءم مع مصالحها. وعندما تضع وزارة الخارجية الأميركية مكافأة 50 مليون دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى القبض على مادورو، وتفرض عقوبات اقتصادية خانقة على النظام، بتهمة الاتجار بالمخدرات والدفع بنزلاء السجون الفنزويلية إلى الولايات المتحدة، فإن أميركا تهيء الأرضية لعمل واسع.
وللمفارقة، فإن كل التدخلات العسكرية الأميركية في دول أميركا اللاتينية، لم تسفر عن تحسن في حياة مواطني هذه الدول. بل على العكس، نجم عن هذه التدخلات قيام أنظمة ديكتاتورية. وإسقاط "السي آي إي" لنظام سلفادور إليندي المنتخب في تشيلي في السبعينات، أدى إلى تأسيس نظام عسكري استبدادي بزعامة الجنرال أوغستو بينوشيه استمر عقوداً. ولطالما، انخرطت الاستخبارات الأميركية في دعم معارضات يمينية متطرفة في أميركا الجنوبية ارتكبت مجازر بشعة في حق المدنيين.
يقدم ترامب نظام نجيب بوكيلة في السلفادور اليوم، نموذجاً لما يجب أن تكون عليه بقية الأنظمة. بوكيلة، فتح السجون في بلاده لاستقبال المهاجرين غير الشرعيين الذين تطردهم أجهزة إنفاذ القانون من الولايات المتحدة. ولم يتوان ترامب عن فرض عقوبات مشددة على الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو، لأن الأخير رفض تقليد بوكيلة، فانهالت عليه الزيادات في الرسوم الجمركية.
المغامرة الفنزويلية المحتملة لترامب، ليس بالضرورة أن تصادف حظاً من النجاح لم تصادفه مغامرات أسلافه في المنطقة. لكن في ظل موازين قوى عسكرية غير متكافئة، تستطيع القوات الأميركية التغلب على الجيش الفنزويلي. إنما السؤال الكبير الذي يطرح نفسه، هو إلى أي مدى يمكن أن يساهم غزو أميركي لفنزويلا في انتشال مواطنيها من هوة الفقر والحرمان، وأن يحدث تحولاً نوعياً في نمط حياتهم؟
التاريخ، لا يدل على أن هذا ما ينتظر فنزويلا!
نبض