التفاوض لا يسقط ولا مصلحة للبنان خارجه

حتى لو سقط مقترح مسار التفاوض المقترح بين لبنان وإسرائيل وفق ما حرص رئيس مجلس النواب نبيه بري على إعلان ذلك قبل أيام قليلة بعد لقاء مع رئيس الجمهورية العماد جوزف عون، الذي كان أعلن ضرورة مواكبة لبنان اتفاق غزة والتطورات الاقليمية باستعداد للتفاوض مع إسرائيل يتحدّد شكله لاحقاً، فإنّ واقع الأمر أنّ لبنان قد لا يكون يملك أوراقاً كثيرة غير المطالبة بذلك والاصرار عليه.
بري عزا سقوط مسار التفاوض "بسبب رفض تل أبيب التجاوب مع مقترح أميركي بهذا الشأن" كما قال، على رغم أنّ كلام الموفد الاميركي توم براك، الذي كان سبق كلام بري ويعتقد أنّ الأخير جاء ليبرر موقف الثنائي في معرض الرد عليه، كان حمل المسؤولية إلى أهل السلطة في لبنان. ولكن لبنان في حاجة الى التفاوض والواقعية تقضي بالاقرار أنّ الخيارات ضيّقة أمامه لا سيما في ظل خيار الدولة بألّا يدخل الجيش اللبناني في حرب مع اسرائيل للاعتبارات المعروفة والتي يُشكّل جزءاً منها الدعم الأميركي له في شكل أساسي. فيما أنّ الهامش أمام "حزب الله" بات ضيّقاً جدّاً وليس من مصلحته استنزاف ما تبقى له من قدرات أو أن تستدرجه إسرائيل إلى ذلك فيما انه يشهد استنزافاً لعناصره او الموالين له من بيئته على نحو يصعب قبوله له لو انه في كامل قدراته ولا يزال قادراً على تسويق منطقه.
بري حرص في المقابل على حصر التفاوض بلجنة الميكانيزم فيما أنّ إسرائيل اشترطت ومنذ آذار الماضي مستوى ديبلوماسيّاً أيضاً إلى جانب المستوى العسكري، هو أمر رفضه لبنان. ولكن مصادر ديبلوماسية ترى أنّ على لبنان أن يتحلّى بالمرونة بصيغ معينة انطلاقاً من أنّ شكل التفاوض على أهميّته لا يجوز أن يطغى على المضمون لأنّ مصلحته تقضي بانسحاب إسرائيل من ارضه ولان من مصلحته ان تكف عن استهدافاتها له وكذلك من مصلحته اعادة اسرى الحزب لديها ، عدا عن مصلحته في انهاء الحرب والعودة الى اتفاق الهدنة بينه وبين اسرائيل. فالسؤال الملح بالنسبة الى لبنان يدور حول الظروف أو الضغوط أو التنازلات التي يمكن أن تساعده على تحرير ارضه والخروج من دوامة الحرب خصوصاً في ظل مخاوف كبيرة لدى البعض من أنّ احتمال عودة الحرب بين إسرائيل وايران، والتي لا تغيب كليّاً عن الاحتمالات في المرحلة القريبة المقبلة، من أن يقع لبنان في وسطها من جديد؟
تقول هذه المصادر إنّ لبنان سيواجه المزيد من التحدي المتمثّل بالتفاوض مع اسرائيل فور انتهاء المرحلة الاولى من خطة الجيش اللبناني المتعلقة بحصرية السلاح في جنوب الليطاني. إذ أنّ موضوع حصرية السلاح الذي ربطه مسؤولون كثر بواقع انه يندرج في اطار استعادة الدولة اللبنانية سيادتها وقرارها وليس ربطاً باتفاق وقف الاعمال العدائية علماً أنّ بنوده تنص على ذلك، سيثير تساؤلات إذا كان الجيش سينتقل الى المرحلة الثانية بدءاً من شمال الليطاني أو أنّه سيربطها بالخطوات التي يتعيّن على إسرائيل التزامها، فيما أنّ هذه الأخيرة تعتبر أنّ ما نفّذه لبنان في جنوب الليطاني غير كاف لا للدلالة على حزم الجيش اللبناني وتثبيت قدراته بما يساعد على طمأنة اسرائيل الى امن شمالها على الحدود مع لبنان، ولا للدلالة ايضا على ارادة حاسمة للدولة اللبنانية بالقبض على الأمور بيد من حديد. وهذا عدا الانحياز الاميركي المعهود لاسرائيل وتفهم مخاوفها وعدا انه غدا لديها مقاربة مختلفة عن السابق بعد عملية "طوفان الأقصى" التي قامت بها حركة "حماس" بحيث لن تتسامح مع بقاء الوضع في جنوب لبنان أو عودته الى واقع ما بعد 2006 وبدء تنفيذ القرار 1701. اذ توقفت بنود تنفيذ هذا القرار عند انسحاب الحزب من جنوب الليطاني فقط ليعود بعد ذلك اليه تدريجاً.
نقاط كثيرة في موقف لبنان يتم التوقف عندها ديبلوماسيّاً وفي مقدّمها أنّ لبنان لن يشارك في مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل حتى توقف إسرائيل عملياتها وتنسحب بالكامل من جنوب لبنان وتعيد الاسرى بحيث يتم التفاوض على الحدود فحسب والهدنة على الأرجح أو أيّ وضع جديد يتعدى ذلك مثل انهاء حال الحرب او اتفاق عدم اعتداء بين لبنان وإسرائيل. وذلك استناداً إلى واقع وجود اتفاق 27 تشرين الثاني من العام الماضي والذي يوجب على إسرائيل تنفيذ بنوده. وهذا تعده المصادر الديبلوماسية المعنية سقفا وشروطا مبدئية اذ تعتقد إنّ اسرائيل لن تُنفّذ هذا الامور إلّا عبر التفاوض ولقاء مقابل من لبنان.