لبنان ومعضلة التفاوض مع إسرائيل

كتاب النهار 20-10-2025 | 13:29

لبنان ومعضلة التفاوض مع إسرائيل

وفق أجواء مقربين من "حزب الله" أنه على الرغم من بعض المواقف الصادرة عن نواب أو مسؤولين، والتي تنذر بالويل والثبور إذا مضى لبنان إلى تفاوض ما، فإن الحزب لا يمانع في التفاوض غير المباشر 
لبنان ومعضلة التفاوض مع إسرائيل
دبابة ميركافا إسرائيلية عند الحدود مع لبنان. (أ ف ب)
Smaller Bigger

ربما يكون التفاوض آتٍ لا محال. وهو حاصل حالياً، مباشر وغير مباشر. لذا من نافل القول إن لبنان يرفض المباشر منه. لجنة مراقبة وقف النار والأعمال الحربية (الميكانيزم) برعاية أميركية، تجتمع دورياً بمشاركة لبنانية وإسرائيلية، إذ تضم اللجنة ممثلين للجيش اللبناني، وإسرائيل، و"اليونيفيل"، إلى جانب الولايات المتحدة وفرنسا، وتجتمع دورياً من دون اعتراض من أحد. 

 

 

أما التفاوض غير المباشر، فلا حاجة إلى مناقشته، إذ يحصل باستمرار، بدءاً من العام 2006، ثم 2021 حين وافق "الثنائي الشيعي" على مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، ووضع أطاراً للاتفاق الرئيس نبيه بري، بمباركة "حزب الله"، تاركاً للرئيس ميشال عون شكلاً إنهاء الاتفاق. ولم يخرج صوت معترض على ضياع حق لبنان في مساحات إضافية تؤكدها خرائط الجيش اللبناني، ودراسات خبراء في طليعتهم الدكتور عصام خليفة. ولو كان مُخرج الاتفاق مسؤولا مسيحيا، لكان اتهم بالخيانة وتحقيق مصالح إسرائيل، والخضوع للإملاءات الأميركية.

 

 

عودة إلى التفاوض. صحيح أن الإدارة الأميركية لم تطلب بعد إطلاق مسار تفاوضي مباشر بين لبنان وإسرائيل، لأن الأميركي "يجد أن لبنان ليس جاهزاً بعد للمشاركة، وعليه أولاً أن يحل مشاكله الداخلية ويستعيد قراره الأمني بالكامل" وفق ما يقول السفير اللبناني السابق في واشنطن أنطوان شديد. فلو بلغ الطلب مرحلة الأمر لكان تسبب للساحة الداخلية وللطبقة السياسية بإرباك كبير. لكن الرسائل تتطاير في كل الاتجاهات، ولم يكن موقف رئيس الجمهورية جوزف عون عن استعداد لبنان للتفاوض، إلا خير دليل على ذلك، في خطوة متقدمة يراد منها إظهار لبنان صاحب قرار ومبادرة، بدل أن يضطر وغيره من أركان السلطة إلى إعلان ذلك تحت وطأة الضغوط، وتحديد الشروط من الخارج. لقد فتح الرئيس عون باباً إلى التفاوض على المفاوضات، علماً أنه لم يقدم جديداً في مجال التفاوض غير المباشر الذي لا يرضي إسرائيل وراعيها الأميركي، لأنه يسعى إلى أن ينال من إسرائيل مطالبه بوقف الأعمال العدائية والانسحاب من نقاط محتلة، وإعادة الأسرى، فيما لا يمكنه أن يقدّم إلى إسرائيل شيئا أكثر مما تفعله الدولة اللبنانية حالياً. فلبنان لا يمكنه رفع وتيرة جمع السلاح، ولا هو قادر على حصره حالياً في ظروف معقدة ومتشابكة، إذ ليس لبنان، ولم يكن، ولا سيكون، في معزل عن تطورات المنطقة ومتغيراتها. 
ماذا في موقف المكونات الأخرى من التفاوض إذا تحول من رسائل إلى طلب مباشر لا يمكن رفضه أو التصدي له؟ 

 

وفق أجواء مقربين من "حزب الله" أنه على الرغم من بعض المواقف الصادرة عن نواب أو مسؤولين، والتي تنذر بالويل والثبور إذا مضى لبنان إلى تفاوض ما، فإن الحزب لا يمانع في التفاوض غير المباشر على غرار التفاوض البحري عام 2021، وينطلق من مسلمة مفادها الوصول إلى الانسحاب الإسرائيلي ووقف الاعتداءات، بما يسهل عملية إعادة الإعمار وإطلاق الأسرى. والحزب يعلم أن الضغوط الأميركية ستشتد على لبنان في ظل التسوية في المنطقة وغياب معادلة الردع منذ نحو عام. 

 

ويراهن "حزب الله" مجدداً على عامل الوقت، ويعتبر أن التفاوض غير المباشر يقيه شرّ الحرب مجدداً، ويعطيه متنفساً لإعادة ترتيب أموره وتنظيم صفوفه. ويتطلع إلى المفاوضات الأميركية - الإيرانية غير المباشرة، لما لها من ترددات في المنطقة.

 

وربما يأمل في فشل اتفاق غزة، بما يدفع إسرائيل إلى التلهي مجدداً في الداخل. 
أما رئيس الحكومة نواف سلام، فيدرك أن الأمور يجب أن توضع على السكة، قبل دخول البلاد الحماوة الانتخابية في السنة الجديدة، وقبل أن يتعاظم التصعيد على لبنان، سواء السياسي أو الأمني الإسرائيلي، إذ تزداد وتيرة الاعتداءات وحجمها ونطاقها، لتشمل مصالح مدنية يمكن أن تساعد في عملية الإعمار الممنوعة حتى الساعة، وإسرائيل بذلك تقيم منطقتها العازلة بعدما أزالت كل الحدود الأساسية، وتلك المرسومة لاحقاً والمختلف عليها. يعمل رئيس الحكومة على إقناع الرئيسين بضرورة إعداد لبنان للمرحلة المقبلة، سواء استمر في الحكم بعد الانتخابات، أو غادر السرايا، وسواء حرك الدفع الأميركي عملية التفاوض أو لم يفعل، لأن المشكلة أن يتعاظم الضغط، ولبنان غير جاهز. 

 

لكن اتفاق الرؤساء على التفاوض لا يزال بعيد المدى، لأن لكل رؤيته إلى المسار، ولكل حساباته، ولعلّ الأكثر إحراجاً في هذا المجال هو الرئيس نبيه بري، إذ إن الثنائي يقود خطاب التعبئة ضد إسرائيل، وبالتالي فإن أي "تكويعة" تحتاج إلى جهد جهيد، ولو كان الرأي العام في لبنان غير ذي قيمة ولا فاعلية، ولا دور حقيقياً له، لكن المعارضة يمكن أن تصدر من صفوف "حزب الله" في غياب السيد حسن نصرالله الذي أمسك بالقرار وبالمزاج وبالرأي العام بيد من حديد. 

 

يبقى أن إسرائيل - قبل لبنان - غير متحمسة للتفاوض، وهنا بيت القصيد، فإذا كان لبنان لا يرى نماذج مشجعة للحوار، ولا تطبيق ولا التزام لاتفاق غزة، فإن نجاح أي عملية تفاوض يُلزم إسرائيل إجراءات انسحاب ووقف الأعمال العسكرية وإعادة الأسرى... إنما يقيّد حركتها في ملاحقة من تعتبرهم خطراً على أمنها، كما يحرمها إمكان ضرب مخازن أو مصانع أسلحة مفترضة لـ"حزب الله"، ويسمح للأخير بإعادة ترتيب أوضاعه. 

 

أمام كل هذه المعطيات تبدو عملية التفاوض حتى الساعة غير سالكة، ولا تتهيأ الظروف لإنجاحها، وربما تحتاج إلى بعض الوقت لإنضاجها، وتهيئة الناس للقبول بها. 

الأكثر قراءة

ثقافة 10/30/2025 10:50:00 PM
بعد صراع طويل مع المرض...
صحة وعلوم 10/29/2025 2:06:00 PM
أنقذ الطبيب اللبناني الدكتور محمد بيضون طفلاً من الموت بجراحة غير مسبوقة أعاد فيها وصل رأسه بجسمه، بعدما كان الأمل مفقوداً في نجاته.
مجتمع 10/30/2025 3:01:00 PM
فتحت القوى الأمنية تحقيقاً في الحادثة للوقوف على ملابسات جريمة الطعن