المظلومية المتنازع عليها: من يملك حق الدموع في الغرب!

كتاب النهار 21-10-2025 | 04:13

المظلومية المتنازع عليها: من يملك حق الدموع في الغرب!

من الواضح للمراقب أن القوة الفلسطينية تنشغل ببعضها، وتنشغل أيضاً بالهوامش، وليس بأصول القضية، وتراوح تقريباً في المكان نفسه، مما يجعل الفرصة التي تكونت في السنتين الماضيتين تضيع من جديد...
المظلومية المتنازع عليها: من يملك حق الدموع في الغرب!
الرأي العام العالمي قد ينسى تلك المذبحة الرهيبة في غزة، وينشغل بأمور أخرى. (أ ف ب)
Smaller Bigger

في الأيام الأخيرة القليلة تكاثرت التحليلات الصحافية والمتلفزة والمذاعة حول زيارة الرئيس ترامب إلى الشرق الأوسط، مسارها ومصيرها، وقد اختلفت هذه التحليلات حسب رؤية المحلل، وموقفه السياسي، وأهوائه العاطفية.

هنا محاولة لتقديم رأي مجمل في هذه الزيارة ونتائجها، وليس من المستحب إعادة ما قيل فيها أو خطوات مسارها في ذلك اليوم الطويل الذي انتقل فيه الرئيس ترامب من تل أبيب إلى شرم الشيخ. التفاصيل كتب عنها كثيراً.

ما سوف أحاول معالجته هنا هو تلك النافذة المحدودة التي فتحت أمام احتمال تطور القضية الفلسطينية إلى آفاق أفضل مما هي عليه. ليس مجدياً الآن الحديث عن الإبادة الجماعية من إسرائيل لأهل غزة، أو الحديث عن التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، كل ذلك معروف، إلا أن الفرصة المتاحة أمام الفلسطينيين أساساً هي فرصة محدودة.

 

بنيت تلك النتيجة على ما شاهدته أخيراً في الإعلام البريطاني، وهو إعلام مؤثر في كل من بريطانيا وإلى حد كبير أيضاً في الولايات المتحدة والناطقين أيضاً باللغة الإنكليزية.

الإعلام البريطاني في الأيام الأخيرة ركز على مجموعة من الظواهر في جملتها عودة الأسرى أو المخطوفين الإسرائيليين وأيضاً عودة الجثامين. وقد أسهب في وصف معاناة الأسر التي فقدت أحباءها، وأيضاً معاناة الأسرى الذين قد أهلكهم القلق على أحبائهم و الخوف على مصيرهم.

أحد الجنود الذي أعيد رفاته دفن في موكب عسكري. وعرفنا نحن المشاهدين أن هذا الجندي قدم إلى إسرائيل من جنوب أفريقيا في عام 2004، ثم انضم إلى جيش الدفاع الإسرائيلي، وتحمس للحرب في غزة وقتل هناك.

على مقلب آخر، شاهدنا زوجة أحد المقتولين وأبناءها الثلاثة تصف معاناتها يوم الهجوم في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 وكيف أن زوجها، وهو جندي احتياط، قد خرج بسلاحه لمواجهة مئات المسلحين، وقتل، ثم سحبت جثته إلى أرض غزة.

أما ما قامت به "حماس" بعد أقل من 24 ساعة من الانسحاب الإسرائيلي الجزئي، فكان أنها وزعت شريطاً تبين فيه كيف أنها قتلت عدداً من الفلسطينيين الذين ادعت أنهم متعاونون مع إسرائيل. هذا الشريط أيضاً نشر في وسائل الإعلام البريطانية وعلق عليه كثيراً.

الفكرة هنا، أن العالم هبّ بشكل واضح في الغرب فقامت تظاهرات حاشدة نصرة للقضية الفلسطينية، بسبب ما كان يحدث في غزة من إبادة وتجويع. تلك المظاهر هي التي دفعت حكومات غربية الى الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ووضع القضية على أجندة الحديث في الرأي العام الغربي. هذا التعاطف مع الحملة المضادة الإسرائيلية التي تبين معاناة المخطوفين وأهل القتلى، سوف تسمع في الرأي العام الغربي، وربما يقل التعاطف الذي حصلت عليه القضية في السنتين الأخيرتين.

تلك مخاطرة يجب أن يشار إليها، لأن النافذة الزمنية القصيرة التي فتحت أمام القضية الفلسطينية وسببت ذلك التعاطف الشامل من الرأي العام الغربي، قد تقفل بسرعة، وتحل محلها سردية أخرى، تستطيع إسرائيل ومناصروها الترويج لها، وهي إعادة سردية الخطف في 7 أكتوبر ونتائجها الكارثية على المخطوفين أحياء وأمواتاً.

قد تحل هذه السردية محل سردية الإبادة البشرية في غزة لعدد من الأسباب، منها أن إسرائيل لديها القدرة على التأثير في الرأي العام الغربي الذي تعرفه، والذي كان مناصراً لها لمدة طويلة، والسبب الثاني عدم قدرة الجانب الفلسطيني على انتهاز الفرصة التي تكونت نتيجة التعاطف العالمي، والبناء عليها بناء حضارياً وسياسياً وإعلامياً، من أجل دفع فكرة حل الدولتين إلى البقاء على الأجندة الدولية، وهي فكرة صرفت دول عربية، وبخاصة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات ودول الخليج، جهداً ديبلوماسياً ضخماً حولها. الانقسام الفلسطيني المزمن، والتردد في الإصلاح، سوف يعطلان تلك الفرصة.

من الواضح للمراقب أن القوى الفلسطينية تنشغل ببعضها، وتنشغل أيضاً بالهوامش، وليس بأصول القضية. وتراوح تقريباً في المكان نفسه، مما يجعل الفرصة التي تكونت في السنتين الماضيتين تضيع من جديد، كما ضاعت فرص أخرى عديدة، كان من الممكن الاستفادة منها لو كان هناك عقل سياسي قادر على فهم التحولات والتعامل معها بحذق.

الانصياع إلى الأيديولوجيا في الصراعات البينية يحمل إيجابياته ومخاطره في الوقت نفسه، فالتعامل الأيديولوجي يستطيع أن يقوم بحشد الجمهور، ولكنه في الوقت نفسه يحشر القادة في دائرة ضيقة.

لعل المثال الأوضح هو ما حدث مع الرئيس عبد الناصر عندما أشاع أيديولوجيا الصراع الدائم مع إسرائيل، وكلما بدأت فرصة دولية، كمثل مبادرة روجرز المعروفة قام المزايدون بالادعاء أن ذلك خارج عن الشعارات العريضة للأيديولوجيا المعلنة، وهكذا أصبح عبد الناصر حبيس تلك الأيديولوجيا، إلى أن جاء الرئيس أنور السادات وكسرها، واستطاع أن يحقق ما لم تستطع أن تحققه. كذلك بالنسبة إلى "حماس"، فإن الأيديولوجيا الحماسية تستطيع أن تحشد الجمهور، ولكنها أيضاً ستبقى حبيسة ذلك الجمهور، وحبيسة تلك الشعارات فلا تستطيع أن تتحرك إلى الأمام. وأكثر ما صدمني المتحدث الرسمي لها الذي كانت لغته الإنكليزية ركيكة وغير مقنعة للمتلقي الغربي.

الوقت صارم والفرص المتاحة ضيقة، ونقاش "الأبوات" الطويل والممل بينهم، مميت لكل الإنجازات، فإن تجاوزنا تلك النافذة المفتوحة لتقدم القضية على الصعيد العالمي، فإن الرأي العام العالمي سوف ينسى عاجلاً أو أجلاً تلك المذبحة الرهيبة في غزة، وينشغل بأمور أخرى، وهي كثيرة سواء في الولايات المتحدة أو في أوروبا أو حتى في الشرق، وتبقى القضية مراوحة في مكانها بسبب عدم فهمنا للمتغيرات العالمية، والفرص السياسية المتاحة والتعامل معها بنجاح.

الوضع الساخن حتى الآن فتح آفاقاً ممكنة للحراك، ولكنها تحتاج إلى شجاعة سياسية خارج الأيديولوجيا، وأدوات سياسية مناسبة للظرف الموضوعي، قادرة على مخاطبة الرأي العام العالمي بما يفهم، لكي تحصل القضية الفلسطينية على الحد الأدنى من المطالب، وهي المسيرة نحو دولة فلسطينية مستقلة تعيش بجانب دولة إسرائيل، فهل القيادات السياسية الفلسطينية قادرة على فعل ذلك والتوحد خلف ذلك المسار، أم أن الشقاق والمناكفة والزبائنية، سوف تتغلب في المدى المتوسط على الهدف الأكبر؟ ذلك سؤال يحتاج إلى إجابة!

 

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 10/19/2025 7:20:00 PM
 برز اسم عشائر غزة  كأحد السيناريوهات المحتملة لإدارة الشؤون المدنية، خاصةً في ظل رفض عودة حكم حركة حماس، وغموض دور السلطة الفلسطينية.
المشرق-العربي 10/20/2025 8:26:00 AM
اعتبر ويتكوف أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "قاد بلاده في ظروف صعبة".
اقتصاد وأعمال 10/17/2025 6:25:00 AM
لماذا ترتفع الأسعار؟ تتضافر الأسباب بين طقسٍ متقلّب في بلدان المنشأ، ومخزوناتٍ محدودة، وتوازنٍ دقيق بين العرض والطلب.