بري - سلام: اتهامات متبادلة والنتيجة لا إعمار!

ما كاد رئيس مجلس النواب نبيه بري ينهي كلامه، وفيه عتب إلى حد الانتقاد لتقصير الحكومة في إعادة إعمار الجنوب، حتى سارع رئيس الحكومة نواف سلام إلى الرد على نحو لم يقنع الأول، ما دفعه إلى رد مقتضب على الرد، فيه أن "الشمس شارقة والناس قاشعة"، في إشارة إلى عدم اقتناع بري بما أورده سلام، وأن الحقيقة ظاهرة والناس تراها.
وإذا كان السجال بين الرئيسين اندلع بسبب ملف الإعمار، فإن الخلفية أعمق وأكبر وتتصل بمواقف سلام من السلاح ومن قيادة بري لملف التفاوض مع الأميركيين. فهل السجال في محله؟ ومن يقول الحقيقة؟
الرئيس بري أسهب في تعبيره أمام وفد جمعية الإعلاميين الاقتصاديين عن ألمه وقلقه لعدم نيل أهل الجنوب ولا سيما القرى الحدودية المدمرة أي التفاتة حكومية، أو حتى رصد ميزانية للتعويضات في موازنة ٢٠٢٦، أو تخصيص مجلس الجنوب بأي اعتمادات في هذا الشأن. وقال ما حرفيته: "هل يعقل ألا تقول الحكومة اللبنانية مرحبا لأبناء القرى الحدودية في عيتا الشعب وكفركلا وحولا ويارين ومروحين والضهيرة وميس الجبل وبليدا ويارون ومارون الراس وكل قرى الشريط المدمرة، هؤلاء الذين عادوا لزراعة حقولهم وافترشوا منازلهم المدمرة؟ يا للأسف، كأن الجنوب ليس جزءاً من لبنان!" ودعا الحكومة والوزارات إلى "أن تكون حاضرة، أقله بالحد الأدنى، كي لا يشعر أبناء الجنوب العائدون بأن الجنوب ليس فعلاً جزءاً من لبنان". وحضّ الحكومة على عدم ربط ملف الإعمار بأي أثمان سياسية، ذاهباً أبعد بالقول إن المجلس لن يصوت على موازنة ليس فيها اعتمادات للجنوب.
لم يرق سلام ما سمعه من اتهامات كالها بري لحكومته، فذكّر بأنه قام والوزراء بزيارة ميدانية للجنوب، ثم أردف مبرراً أن وزارة الشؤون أمنت مساعدات شهرية لـ٦٧ ألف عائلة متضررة، فضلاً عن بدل إيجار شهري لـ١٠ آلاف عائلة مهجرة، ووزارات الأشغال والاتصالات والطاقة باشرت الإصلاحات الضرورية لإعادة الخدمات، وكُلّف كلّ من مجلس الجنوب والهيئة العليا للإغاثة الإسراع في الأعمال، وحُوّلت المبالغ المطلوبة، والأهم أن الحكومة حصلت على قرض من البنك الدولي بـ٢٥٠ مليون دولار لإعادة إعمار البنى التحتية. وغمز سلام من زاوية هذا القانون ليتهم بري بعدم إقراره في المجلس. ولم تفته الإشارة إلى "غياب الدعم الخارجي لأسباب معروفة".
لا يمكن الإغفال أن القرى الجنوبية وأبناءها لم يحصلوا على الدعم الرسمي الكافي والمطلوب. وبذريعة الإمكانات المحدودة للدولة، وفق تعبير سلام نفسه، كان التعويل على الدعم الخارجي، ما أدى إلى ربط ملف إعادة الإعمار بالشروط السياسية المتصلة بنزع سلاح "حزب الله"، الأمر الذي يعني أن ورشة الإعمار لن تنطلق قريباً، وسيبقى شرط نزع السلاح سيفا مصلتاً فوق رؤوس الجنوبيين.
وهذا يقود إلى الرأي القائل إن الحكومة ليست مسؤولة عن حرب الإسناد ولم تُسأل عنها عندما تفرد الحزب بخوضها، وبالتالي، لا يمكنها أن تحمل أعباء إعادة الإعمار للمكلفين اللبنانيين الذين تحملوا وزر الحرب وارتداداتها، عبر فرض ضرائب ورسوم لتغطية كلفة الإعمار، وكان على الحزب والرئيس بري التفكير في هذا الأمر قبل خوض مغامرة الإسناد التي انتهت عملياً باستسلام حركة "حماس".
ويرى أصحاب هذا الرأي أن بري فتح معركة إعادة الإعمار في سنة انتخابية بامتياز لشد عصب أبناء الجنوب، ولكن من دون أن يكون لهذا الكلام أي أثر في تغيير الوضع الراهن. فلا إعمار قبل تسليم السلاح، حتى لو عطل بري إقرار موازنة ٢٠٢٦، علماً أن مصادر مطلعة كشفت أن الأمور لن تصل إلى هذا الحد، وأن وزير المال ياسين جابر طلب لقاء رئيس المجلس لاستيضاحه موقفه من الموازنة.