لا يخفي زوار للعاصمة الأميركية أنه كان هناك رهان قوي في الأشهر الماضية على دينامية تمتلك زخماً معيناً، بما يساعد على انتقال لبنان بسرعة من مكان إلى آخر، وهذا الرهان ضعف إلى حد كبير. وينقلون خشية أنه كلما مر الوقت ازداد تراجع هذا الرهان، فيما أن سوريا على رغم الخطورة الكبيرة التي يتصف بها الوضع فيها ومن دون أوهام كبيرة حول إذا كان يمكن ائتمان السلطة الجديدة على المستقبل أم لا، ثمة دينامية فيها تستحوذ على الاهتمام أكثر بكثير مما بات يحظى به لبنان وخصوصاً  في ظل الأهمية الاستراتيجية لسوريا.

موافقة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الثالث من الشهر الجاري على تقديم 230 مليون دولار الى القوى الأمنية اللبنانية، يتوزع تمويلها بين 190 مليون دولار للجيش اللبناني و40 مليون دولار لقوى الأمن الداخلي، تندرج وفق متحدث باسم الخارجية الأميركية في دعم القوات المسلحة اللبنانية في  "تأكيد السيادة اللبنانية وتنفيذ القرار 1701"، واصفاً القرار بأنه "الإطار الوحيد القابل للتطبيق لترتيب أمني دائم للبنانيين والإسرائيليين”، لا تغير او تناقض هذا الانطباع علماً ان لبنان كان مسبقاً في اجواء هذه المساعدة الاميركية إبان زيارات الوفود الاميركية الاخيرة للبنان، وقبل مشاركة الرئيس جوزف عون في اعمال الجمعية العمومية للامم المتحدة . حتى ان الموفد الاميركي توم براك في آخر حديث اعلامي له تطرق فيه الى لبنان، عمد الى التمييز في شكل واضح بين نية واشنطن مواصلة دعم الجيش اللبناني في مقابل الانتقادات التي وجهها الى اركان السلطة في لبنان وعن التمايز بين الاقوال والافعال .

فثمة شهود في العاصمة الاميركية ان لبنان لا يتحرك الا تحت الضغط بما في ذلك القرار المهم حول حصرية السلاح الذي اتخذته الحكومة في 5 آب\أغسطس الماضي، والذي اتخذ على خلفية الورقة التي عرضها توم براك على السلطة اللبنانية، في ظل اعتقاد يصعب دحضه حول ما اذا كانت الحكومة ستبادر الى اتخاذ هذا القرار من دون الدفع الخارجي . وذلك فيما ان الامر ما لبث ان بدا على الاثر وعلى نحو سريع متسماً بـ"عدم جدية " معينة، اقله وفق نظرة المعنيين في واشنطن او انتظاراتهم لتقدم اكبر من جانب السلطة في لبنان .
وبحسب هؤلاء، فان التقويم الفعلي لاداء الجيش بغض النظر عن تقدير ادائه وفق التقرير الذي قدمه قائد الجيش العماد رودولف هيكل الى مجلس الوزراء اخيراً عما انجزه الجيش في جنوب الليطاني خلال الشهر المنصرم من تكليفه وضع خطة لفرض حصرية السلاح، وبغض النظر عن اعتبار " حزب الله" خطة الجيش التي قدمتها قيادته في جلسة 5 ايلول\سبتمبر الى مجلس الوزراء تراجعاً او تصويباً مهما لقرار حصرية السلاح، فإن هذا التقويم يرتبط في شكل اساسي بالتقويم الخارجي الاميركي وغير الاميركي . والمساعدة التي قررتها ادارة ترامب للجيش اللبناني على رغم وقفها المساعدات التي كانت تقدمها الولايات المتحدة للخارج، من شأنها ان توجه رسالة واضحة الى الحزب في هذا الاطار كما للجميع، ان ما هو على المحك يتعدى ما يريد قولبته هذا او ذاك من الافرقاء الداخليين. والمحطة الثانية المرتقبة على هذا المستوى ترتبط بمؤتمر دعم الجيش الذي تردد امكان انعقاده الشهر المقبل في الرياض بدلاً من باريس التي تدفع في اتجاه عقد مؤتمرات لمساعدة لبنان . علماً ان هذه المحطة ترتبط بما ينجزه الجيش ويثبته اكثر فأكثر مع مرور الوقت وقدرته على الانتقال الى المراحل التالية من خطته، بما يعطي الاميركيين في الدرجة الاولى ورقة قوية للضغط على اسرائيل لبدء تنفيذ التزاماتها في الجنوب بالانسحاب من النقاط التي تحتلها . اذ ان هذه النقطة لا يبدو انها ستحصل الا ربطاً بما ينهيه الجيش اللبناني في جنوب الليطاني في الدرجة الاولى، وفق ما تبلغ المسؤولون في لبنان .
لكن وفق الزوار انفسهم، كانت هناك متابعة للانقسام السياسي الذي تظهّر اخيراً بين اركان السلطة على خلفية مقاربة تحدي "حزب الله" للدولة وانعكاس ترجمته على مقاربة الجيش اللبناني له، علماً انه لم يصدر اي تعليق من اي كان في هذا الاطار . كما هناك متابعة للمراوحة اللبنانية على صعيد اتخاذ الاجراءات اللازمة لاعادة تصحيح المسار المالي والمصرفي مع احباط كبير من التزام الاطر نفسها التي سرت في الاعوام القليلة الماضية بالمصالح السياسية نفسها .

rosannabm @hotmail.com