وائل الدحدوح هلّا تعود إلى غزة؟

ليل أمس، وخلال متابعتي إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب موافقة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على خطة وقف الحرب في غزة، شرط قبول حركة "حماس" ببنودها، بعد مقتل أكثر من 66 ألفاً من أهل القطاع على مرأى من العالم الذي أدمن مشاهد الموت والدمار، ولم تعد تحرّك فيه ساكنا، تراءت لي صورة وائل الدحدوح، الإعلامي والشهيد الحيّ. ولمن نسي وائل الحدوح، فهو ذاك الصحافي الذي فقد في الحرب زوجته أمينة (44 عاماً)، وأحد أبنائه محمود (15 عاماً)، وابنته شام (7 أعوام)، وحفيده آدم (18 شهراً)، بالإضافة إلى ثمانية أقرباء آخرين، قبل أن يأتي دور ابنه الأكبر حمزة، الذي كان يعمل مراسلا صحافياً أيضاً لقناة "الجزيرة".
قبل أشهر، وفي مطلع سنة 2025، بعد الإعلان عن هدنة وبدء سريان وقف النار في كانون الثاني الماضي، كشف وائل الدحدوح عن المشاهد التي كان سينقلها لو كان موجوداً في غزة خلال وقف إطلاق النار.
وقال (من الدوحة التي يتلقى فيها العلاج): "لو كنت هناك لنقلت معاناة الناس، وهذا أمر مؤكد"، مشيرا إلى أن أول ما كان سيركز عليه هو "لحظة الفرح وحالة الارتياح رغم كل شيء لدى المواطن الفلسطيني. وأنه كان سيتجول في كل المناطق ليرصد كيف يجسد الفلسطينيون قدرتهم الهائلة على استعادة الحياة من بين أنقاض منازلهم".
ووصف الدحدوح المشهد الذي كان سينقله حيث يتوقع رؤية "ناس يحاولون إزالة الأنقاض ليضعوا أقمشة وخياما، ويسكنوا فوق أنقاض منازلهم ليقولوا عدنا إلى هذه الديار رغم هذا الدمار". وأشار إلى أن أكثر من 70% من الشعب الفلسطيني لن يجد بيته، مما يجعل الخيام والكرفانات ضرورة ملحة في هذه المرحلة.
لكن هدنة مطلع العام لم تصمد، وتحركت مجدداً آلات الحرب والقتل والدمار والتهجير والجرف، ولم تسمح للدحدوح بعودة ولو خاطفة "لإلقاء نظرة على قبور الأحبة إن أسعفني الوقت، أقله حتى أطمئن إلى أنهم في داخل القبور أو أن الجرافات والدبابات نبشتهم".
وائل الدحدوح ليس حالة فريدة، بل ربما تكون الظروف أسعفته بعد إصابته هو أيضاً، وإقفال مكاتب "الجزيرة"، بالانتقال إلى قطر حيث يعيش حالياً، متجاوزاً مزيداً من المآسي، لكنه ترك فينا أثراً، نحن أهل الإعلام خصوصاً، لما بذله في مهنة المتاعب، وربما لأننا لم نكن نعرف غيره في ظروف صعوده الإعلامي، قبل أن نصاب أيضاً باستشهاد الإعلامية شيرين أبو عاقلة لاحقاً في 11 أيار 2022.
في ذكرى مرور عام (2023) على أبو عاقلة، قال خبراء أمميون إن مقتلها "يجسد الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي يواجهها الفلسطينيون تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ أكثر من 55 عاماً".
وأشار الخبراء إلى أن العديد من التحقيقات المستقلة التي أجرتها هيئات ومنظمات مختلفة، بما في ذلك مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، خلصت إلى أن أبو عاقلة قُتلت برصاصات تبدو مستهدفة، أطلقتها القوات الإسرائيلية على الأرجح، وذلك على الرغم من أنها كانت ترتدي إشارات واضحة تظهر أنها صحافية.
اليوم، ربما يتحقق وقف الحرب، وقد يكون دائماً، وربما يعود الدحدوح إلى غزة، يلتقي فيها من بقي من رفاق الدرب، وينقل إلينا صورة إنسانية وعدنا بها تعيد إيقاظ ضمائر خدّرها الدم المهدور، وينقل أيضاً "لحظة الفرح وحالة الارتياح"، إن وجدتا حقاً.