ماكرون يدخل التّاريخ من بوابة الدّولة الفلسطينيّة مثيراً غضباً يهودياً

يدخل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون صباح الإثنين تاريخ فرنسا كأول رئيس يعترف بالدولة الفلسطينية، مصطحباً معه تسع دول هي أستراليا وبلجيكا وكندا والمملكة المتحدة والبرتغال ولوكسمبورغ ومالطا وسان مارينو. بريطانيا وفرنسا عضوان دائمان في مجلس الأمن وفي مجموعة السبع الصناعية وست من هذه الدول أعضاء في الناتو.
صحيح أن إعلان الاعتراف بالدولة الفلسطينية جاء متأخراً بعد الحرب الإسرائيلية الوحشية على غزة المستمرة منذ سنتين، لكن أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبداً. وكان ماكرون قد أكد قبل حرب غزة، في لقاء خاص مع "النهار"، أنه سيعترف بالدولة الفلسطينية قبل نهاية عهده. وشرح ماكرون في عدد من مقابلاته أنه خلال زيارته السعودية في كانون الأول/ديسمبر الماضي، اتفق مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على تنظيم مؤتمر من أجل حل الدولتين وترؤسه. وقال مسوؤل في القصر الرئاسي الفرنسي عشية المؤتمر: "إنها المرة الأولى منذ وقت طويل يجري فيها نقاش حول هذا الموضوع بالذات في الجمعية العامة للأمم المتحدة على مستوى الرؤساء".
وتأتي هذه الدورة للجمعية العامة بعد اعتماد إعلان نيويورك من 142 دولة. وأوضح المسؤول الرئاسي أن هدف المؤتمر هو إقرار بنود المرجعية لخطة سلام على أن "يتم تفصيلها في كل الخطوات التي سنقوم بها خلال الأيام الثلاثة المقبلة في نيويورك بالتسلسل الذي وضع في إعلان نيويورك الذي يبدأ من تحرير الرهائن ووقف إطلاق النار مروراً بتثبيت الاستقرار وتأمين أراضي غزة، وصولاً إلى إعادة إعمارها وإعادة انتشار السلطة الفلسطينية فيها. هدفنا الأساسي هو التوصل إلى سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط، وهو اليوم أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، وقد تم الاتفاق على هذه المبادرة مع السعودية شريكاً أساسياً في تحقيق السلام في الشرق الأوسط خلال الزيارة الرسمية التي قام بها الرئيس ماكرون للرياض في كانون الأول الماضي، ومنذ ذلك الوقت حرصنا على الحصول من شركائنا العرب والمسلمين، ولا سيما في نيويورك، على إدانة هجمات السابع من تشرين الأول/أكتوبر والتزام استبعاد حركة حماس بالكامل من أي حكومة مستقبلية".
ومن المتوقع أن يخاطب ولي العهد السعودي المؤتمر عبر الفيديو وأيضاً رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الذي منعت الولايات المتحدة إعطاءه تأشيرة دخول إلى نيويورك.
ومنذ إعلان مبادرة ماكرون، يشن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو حملات مشوّهة على الرئيس الفرنسي متهماً إياه بالدفاع عن "حماس". فعلاقات نتنياهو بماكرون أصبحت بالغة التوتر، والسلطات الفرنسية تتخوف من المزيد من تهجم حلفاء نتنياهو على ماكرون ومبادرته.
السفير الأميركي في فرنسا شارل كوشنير، والد صهر ترامب جاريد كوشنير، انتقد علناً مرتين ماكرون متهماً إياه بأنه يؤيد "حماس".
وكانت السلطات الفرنسية منعت البلديات الاشتراكية من رفع أعلام فلسطين في مقارها. وتهدد الحكومة الإسرائيلية بإجراءات صارمة ضد المبادرة الفرنسية، منها ضم جزء من الضفة الغربية، ما تعتبره فرنسا غير مقبول. وطالب بعض الوزراء الإسرائيليين بإغلاق القنصلية العامة لفرنسا في القدس وطرد ديبلوماسييها وحجز أماكن فرنسية في القدس مثل قبر الملوك، ما جعل مصدراً ديبلوماسياً فرنسياً يتوقع "معركة معلوماتية شرسة موجهة خاصةً ضد فرنسا التي ينظر إليها على أنها صاحبة المبادرة في هذه القضية".
ونقلت بعض مقالات الصحف اليمينية الواسعة الانتشار في فرنسا مثل "لو فيغارو" عن الجالية اليهودية في فرنسا قلقاً كبيراً من هذه الخطوة، مدعية أنها لإرضاء مسلمي فرنسا وتهدئتهم. وقال أحد معلقي "لو فيغارو" إيف تريلر إن يهود فرنسا خائفون ويريدون مغادرة البلد. كما أن حزب "التجمع الوطني" وزعيمته مارين لوبن انتقدا بشدة خطوة ماكرون.
تجدر الإشارة إلى أن المبادرة الفرنسية، ولو أنها لن توقف القتل والتدمير والتجويع في غزة، لكنها على الأقل تعطي آفاقاً لحل سياسي قد يأتي يوماً يعيد للشعب الفلسطيني الذي لا تمكن إبادته، برغم كل ما ترتكبه إسرائيل، بعضاً من حقوقه.
لقد كانت فرنسا منذ شارل ديغول مع حل شامل وعادل للقضية الفلسطينية، وكانت دائماً، وخصوصاً في عهد الرئيس جاك شيراك، تسعى للدفاع عن حقوق الفلسطينيين. ويجدر التذكير هنا بأن الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات جاء للعلاج في فرنسا في مرضه الأخير (أو تسمّمه) ومات في فرنسا ونقل منها في موكب وداعي كرئيس دولة.