انطلاق مسار الاعترافات الأوروبيّة بفلسطين... وإسرائيل تجعل قيام دولة على الأرض واقعاً مستحيلاً

في الأيام الأخيرة، برز الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، كأكثر المعبرين عن واقع الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. إذ، قال رداً على المتخوفين من ضم إسرائيل للضفة الغربية إذا مضت دول أوروبية وغربية أخرى بالاعتراف بفلسطين، إن الحكومة الإسرائيلية "تواصل سياسة تقضي بتدمير قطاع غزة وضمّ الضفة الغربية، سواء قمنا بما نقوم به أم لا، هذه الإجراءات ستستمر".
لا يهبط كلام غوتيريش من فراغ، بل يستند إلى وقائع على الأرض، تفيد بأن المستوطنين صادروا أراضيَ في الضفة الغربية، تبلغ مساحتها ثلاثة أضعاف قطاع غزة، بينما عرض وزير المال الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش الذي يتزعم حزب "الصهيونية الدينية" أمام الصحافيين في 3 أيلول/سبتمبر الجاري، خريطة أظهرت بسط سيادة إسرائيل على 82 في المئة من مساحة الضفة.
ومع الاجتياح الإسرائيلي لأكثر من 75 في المئة من أراضي قطاع غزة، تكون مساحة الدولة الفلسطينية التي تعترف بها الدول في تناقص مستمر. وتعتزم إسرائيل احتلال القطاع بالكامل، بحسب خطة صادق عليها المجلس الوزاري المصغر قبل أسابيع. وأرغم الغزو البري الجاري لمدينة غزة منذ أيام 500 ألف فلسطيني على النزوح نحو الجنوب والوسط. وتعتزم الحكومة الإسرائيلية العمل على تسهيل "الهجرة الطوعية" من غزة اعتباراً من الشهر المقبل.
ويتكئ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في تنفيذ سياسته، على الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي يتجاهل كلياً حل الدولتين، ولا يبدي استعداداً لممارسة الضغوط على إسرائيل لوقف النار في غزة والشروع في وضع خطة لـ"اليوم التالي" للحرب. ويكرر المسؤولون الأميركيون أن الدولة الفلسطينية يجب أن تكون ثمرة لمفاوضات بين الفلسطينيين وإسرائيل، وليس عبر خطوات آحادية.
لكن فرنسا التي تقود مع السعودية جهود الاعتراف بدولة فلسطين، ترى أن هذا الزخم الديبلوماسي قد يترك تأثيراً لدى صانعي القرار في واشنطن، بحيث يتداركون الوضع، ويعملون على إقناع إسرائيل بوقف الحرب في غزة، على الأقل. وقد بدأت عدوى الاعتراف بالدولة الفلسطينية من جانب واحد تسلك طريقها إلى الكونغرس الأميركي، مع مبادرة سناتورات بارزين من الحزب الديموقراطي مع السناتور المستقل بيرني ساندرز إلى اقتراح مشروع قانون يعترف بفلسطين.
وبعد بريطانيا والبرتغال وأستراليا وكندا التي اعترفت بفلسطين أمس، هناك دول أخرى تزمع اتخاذ قرار مماثل اليوم مع انعقاد مؤتمر برئاسة فرنسا والسعودية لتعزيز حل الدولتين. ويكتسب اعتراف بريطانيا وفرنسا، إلى بعده الرمزي، أهمية كبيرة، كون هذين البلدين يتمتعان بعضوية دائمة في مجلس الأمن، وشكلا، إلى جانب إسبانيا، قاطرة لدول أوروبية أخرى، كي تتجاوز الضغوط الأميركية، وتقدم على الاعتراف بفلسطين.
ويبقى لفرنسا أهمية استثنائية، لأنها البلد الذي يضم أكبر جاليتين مسلمة ويهودية. وقد صوّب نتنياهو على الدول الأوروبية متهماً إياها بالخضوع لضغوط "الأقليات المسلمة"، في ما يتعلق بقرار الاعتراف بفلسطين، أو قرارات تفرض عقوبات على الوزراء الإسرائيليين المتطرفين أو قادة المستوطنين.
وهذا هروب من الاعتراف بحقيقة أن العزلة التي تعانيها إسرائيل، مردها سياسات نتنياهو خلال عامين من الحروب التي تجر الفلسطينيين إلى نكبة ثانية، والشرق الأوسط إلى المجهول.