كتاب النهار 30-09-2025 | 04:22

ليست الاتفاقات "رداً على دول محددة"... لكن لماذا تقلق إسرائيل؟

تعانق في الرياض، ولي عهد السعودي محمد بن سلمان ورئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف، برفقة القائد العسكري المرموق للجيش الباكستاني المشير عاصم منير، احتفالاً بتوقيع الاتفاقية الدفاعية، المشهودة بين البلدين. 
ليست الاتفاقات "رداً على دول محددة"... لكن لماذا تقلق إسرائيل؟
ولي العهد السعودي مع رئيس الوزراء الباكستاني
Smaller Bigger

 في أكثر من مقال، كتبت عن انفلات الوضع الدولي وما ينجم عنه من محاولة بعض الدول   فرط عالم القطب الواحد وسعيها لاقتناص الفرص والتسيد على محيطها الإقليمي، وما يسببه ذلك من ردود مقابلة بهدف استرداد الدول المهددة ردعها الاستراتيجي القومي، سواء بشكله التقليدي أم غير التقليدي. 
ولم يطل الزمان حتى أظهرت لنا العنجهية الإسرائيلية رغبتها في كسر كل مقومات السلام في الإقليم وتكريس تسييدها المطلق في أرجائه. 
لكن بعد ضرب إسرائيل قطر، كتبت في مقالي الأخير في هذه الصحيفة، تحليلاً لمغزى هذا الاعتداء، والتحولات الاستراتيجية التي ستنجم عنه. وقلت: "ومن جديد، ورداً على هذه السياسة ستتجه كل دولة قادرة في الإقليم حتماً من أجل استرداد ردعها القومي بشتى أنماط الردع الممكنة. الردع التقليدي وغير التقليدي. وسنرى ملامح ذلك قريباً". وكتبت أيضاً: "لذلك تجد أوساط إسرائيلية متطرفة في المملكة العربية السعودية خصمها الإقليمي الرئيسي". 
وبغض النظر عن كل محاولات التلميع الديبلوماسية، حفظاً لماء وجه ترامب، فإن الدرس الذي نخلص به من الضربة الإسرائيلية أن ترامب وافق على أن يصفع الباب في وجه كل التوافقات التي ولدتها زياراته للخليج، ليطلق العنان لنتنياهو. فحقيقة الأمر هي أن الدول الخليجية – ممثلة بقطر هذه المرة – تعرضت مرتين – (مرة من إيران ومرة من إسرائيل)- لضربات مباشرة منسقة مع الولايات المتحدة. وفي كلتا الحالتين، لم يكن من الممكن تصور أن تنفذ الضربتان بالشكلين اللذين تمتا بهما من دون علم الولايات المتحدة والرئيس ترامب ذاته. 
وهكذا، بعد ساعات من كتابة المقال، تعانق في الرياض، ولي عهد السعودي محمد بن سلمان ورئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف، برفقة القائد العسكري المرموق للجيش الباكستاني المشير عاصم منير، احتفالاً بتوقيع الاتفاقية الدفاعية، المشهودة بين البلدين. 
نعم، لم يكن الهجوم الإسرائيلي على قطر سوى ضربة عسكرية خائبة بكل المقاييس. لكنها كانت كافية لانهيار صدقية الردع الأميركي، بل صدقية التحالف بأسره. 
وبعد أن سعت دول الخليج إلى تحقيق الاستقرار المتوازن في علاقاتها بكل من إيران وإسرائيل. وبعد أن صرحت علناً بسعيها الى بناء السلام الإقليمي تندرج فيه اسرائيل كعضو طبيعي مسالم وصولاً إلى تطبيع العلاقات الديبلوماسية كاملة، اندفعت الحكومة الإسرائيلية في إبادتها الجماعية للفلسطينيين في غزة، وعملت حثيثة على إحباط أي دور عربي وسعودي إقليمي، لتعافي غزة ولبنان وسوريا. نعم لقد أحبط نتنياهو كل رهان على صدقية النيات السلمية الإسرائيلية التي راهن عليها العرب عموماً لمدة طويلة. 
وبالقدر ذاته، صارت سياسة الغموض النووي الإسرائيلي واهية قانونياً وسياسياً. فمن المعروف أنها تمتلك ترسانة نووية كبيرة، تعززها ترسانة تقليدية وسلاح طيران متقدم مدعوم أميركياً بشكل منقطع النظير. والأهم أنها سبق أن ذخرت (لقمت بشكل حربي) سلاحها النووي مرات عدة  في الماضي لمجرد شعورها بالخطر في أكثر من حرب مع العرب. 
يستند التحالف التعاقدي الجديد بين المملكة العربية السعودية وباكستان إلى ماض متجذر في الرؤية المشتركة للعالم والمصالح الاستراتيجية والاعتماد الاقتصادي المتبادل. ينص الاتفاق على "أن الهجوم على أي من البلدين سيفسر على أنه هجوم على كليهما، ويدعو إلى مزيد من الشراكة الصناعية العسكرية" بين الرياض وإسلام أباد. 
ولطالما كان لدى باكستان جنود عاملون في السعودية يقدر عددهم بين 1500 و2000 جندي يقدمون مساعدات تشغيلية وتقنية وتدريبية للجيش السعودي. ويشمل ذلك مساعدة القوات الجوية والبرية السعودية. وتضيف المملكة العربية السعودية في المقابل الكثير الى هذه العلاقة من حيث النفوذ الجيوسياسي، والموقع الاستراتيجي في الخليج، ناهيك بدعم الاقتصاد والاحتياط النقدي الباكستاني. 
وصرح مسؤول سعودي عن الاتفاق بالقول: "هذا ليس رداً على دول محددة أو أحداث محددة، ولكنه إضفاء الطابع المؤسسي على التعاون الطويل الأمد والعميق بين بلدينا". فلقد عزز هذه الاتفاقية بشكل كبير حاسم وتعاقدي تحالفاً أصيلاً غير مكتوب وشراكة أمنية عمرها عقود. 
تشكل هذه الاتفاقية أيضاً، فرصة للطرفين لتخفيف الاعتماد على القوى الدولية في دفاعها القومي، الأمر الذي يسمح بتكامل مقدراتهما وصناعاتهما الدفاعية، كما يتيح زيادة الاستقلال الاستراتيجي لكل منهما. كما تفتح هذه الاتفاقيات الطريق لجذب تحالفات جديدة، وترتيبات أمنية مشتركة، مع جهات فاعلة أخرى غير مرتاحة الى موثوقية الولايات المتحدة أو التهديدات الإقليمية.
ورداً على سؤال عما إذا كانت باكستان ملزمة الآن تزويد السعودية مظلة نووية، علق مسؤول سعودي كبير لـ"رويترز" بقوله: "هذا اتفاق دفاعي شامل يشمل كل الوسائل العسكرية". وبحسب بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء الباكستاني، "ينص الاتفاق على أن أي عدوان على أي من البلدين يعتبر عدواناً على كليهما".
من جهة أخرى، يدير البلدان بشكل حاذق توازن علاقاتهما الجيوسياسية، مع كل من واشنطن وبكين. لكن أهمية الاتفاق تنبع قبل كل شيء من كونه محاولة إقليمية لرأب انكسار موازين القوى في الشرق الأوسط بمعناه الواسع. 
وفي حين شكلت اتفاقيات بيكين بين المملكة وإيران فرصة أولية يمكن البناء عليها لاحقاً، فلقد أتاح التراجع الموضوعي لعدوانية الأذرع الإيرانية في الإقليم، والعلاقات الاستراتيجية السعودية - الباكستانية، مناخاً أكثر إيجابية لإيران، فيما لو قررت أن تنحو للتحول الى دور سلمي نحو جوارها المباشر.
كما تحدث المسؤولون السعوديون عن ضرورة الموازنة في علاقات المملكة مع الهند وباكستان. وقالوا إن "علاقتنا مع الهند أقوى مما كانت عليه في أي وقت مضى. سنواصل تنمية هذه العلاقة والسعي للمساهمة في السلام الإقليمي بأي طريقة ممكنة".
في عالم متعدد الأقطاب، صارت الدول تعطي الاعتبار للتكتلات الإقليمية أكثر بكثير من اعتبارها للتكتلات الدولية. وفي هذا السياق لا تبدو هذه الاتفاقيات سوى بداية في إعادة تشكل البنيان الاستراتيجي الإقليمي، وليس لدينا أي شك ان هذه الاتفاقيات ستحفز تحولات استراتيجية مقبلة. 
اغتر نتنياهو بتسيده العابر، وبعنجهية القوة التي يعربد بها يميناً ويساراً، ويا له من غرور ضال وخائب. 
العلامات الدالة

الأكثر قراءة

العالم العربي 9/29/2025 5:14:00 PM
"نحن أمام مشروع ضخم بحجم الطموح وبحجم الإيمان بالطاقات"
تحقيقات 9/30/2025 4:06:00 PM
تقول سيدة فلسطينية في شهادتها: "كان عليّ مجاراته لأنني كنت خائفة"... قبل أن يُجبرها على ممارسة الجنس!
ثقافة 9/28/2025 10:01:00 PM
"كانت امرأة مذهلة وصديقة نادرة وذات أهمّية كبيرة في حياتي"
اقتصاد وأعمال 9/30/2025 9:12:00 AM
كيف أصبحت أسعار المحروقات في لبنان اليوم؟