كتاب النهار
19-09-2025 | 04:18
بين روما وغزة...نيرون ونتنياهو
لم يعد مهماُ إحصاء الضحايا، أكانوا سبعين ألفاً أو مئة ألف، والجرحى أكانوا مئة وخمسين ألفاً أو مئتي ألف، طالما هذا العدد ليس إلا رقماً عابراً لبشر اعتبر العالم أساساً انهم غير موجودين لينشئ على أرضهم مستعمرة لا تشبه إلا نفسها بجبروتها وإجرامها وبفكرتها الأساس. دولة عنصرية صافية.

إسرائيل تدفع الغزيين إلى البحر (أ ف ب)
ما عاد معروفاً عدد المرات التي طرد فيها أهل غزة من الشمال إلى الجنوب وبالاتجاه العكسي منذ بدء الحرب الإسرائيلية على القطاع، وبين الشمال والجنوب ترحيلات إلى الوسط والأطراف والشواطئ. لقد اهترأت أقدامهم من المسير الشاق، تحت المطر وفي الوحل شتاء، وفي القيظ الحارق صيفاً، وكل ذلك بلا زاد ولا غطاء ولا ماء وتحت الحديد والنار.
قاربت الحرب السنتين، ولم يعد مهماُ إحصاء الضحايا، أكانوا سبعين ألفاً أو مئة ألف، والجرحى اكانوا مئة وخمسين ألفاً أو مئتي ألف، طالما هذا العدد ليس إلا رقماً عابراً لبشر اعتبر العالم أساساً أنهم غير موجودين لينشئ على أرضهم مستعمرة لا تشبه إلا نفسها بجبروتها وإجرامها وبفكرتها الأساس. دولة عنصرية صافية.
يحرق بنيامين نتنياهو غزة بعد أن فشل على مدى سنتين في تحقيق هدف الحرب: تحرير الأسرى والقضاء على "حماس"، فلا الأسرى أعيدوا ولا "حماس" ألقت السلاح، وما زال نحو 8000 مقاتل، بحسب تقديرات إسرائيلية، يحاربون في كل مناطق القطاع المحاصر من البر والبحر والجو. يتفرغ نتنياهو لغزة بعدما أهمد الجبهات الأخرى من لبنان إلى طهران – اللهم جبهة اليمن التي لا تزال تفرقع بين حين وآخر. غزة الصغيرة العنيدة لا تزال عصية ولذلك لا بد من قرار نهائي نيروني: إحراقها بمن فيها حتى لا يبقى مخبّر.
يتحدثون علناً في إسرائيل عن إبادة غزة، بلا ضوابط وبلا تردد. ليس هناك معارضون للإبادة، هناك اختلافات في طريقة الإبادة ووسائلها. لا يختلف نتنياهو وبتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير عن زعيم المعارضة يائير لا بيد والوزراء المطرودين من حكومة نتياهو. حتى حزب العمال شبه المنقرض لم يكن يوماً أقل عنفاً وعنصرية من اليمين المتطرف.
يتقمص نتنياهو شخصية نيرون. كان نيرون أمبراطواراً رومانياً، ونتنياهو يعتبر نفسه أمبراطوارا نداً تاريخياً. قيل إن نيرون أحرق روما عام 64 ميلادي لتوسيع قصره، ولم تثبت الرواية، لكن الأكيد أن نيرون أعاد بناء الأحياء التي احترقت من المدينة بناء عصرياً مع حدائق وقصور ومنتجعات...كم يبدو الأمر مشابهاً! إحراق غزة وتحويلها إلى منتجع كما يسوق الرئيس الأميركي دونالد ترامب منذ ما قبل توليه مقاليد الرئاسة في ولايته الثانية.
نصب نتنياهو نفسه أمبراطوراً، هو يتماهى مع أباطرة كثر حكموا الشرق على مدى التاريخ وأهلكوا شعوبه، هو قال ذلك علناً ومن دون استحياء، أعلن نفسه حاكماً للشرق الأوسط الذي يعيد تشكيله بتسمية إسرائيل الكبرى، ربما تكون "الأنا" المتضخمة عنده المستندة إلى إيديولوجية عنصرية مفرطة في عدائيتها تجاه الآخرين سبباً رئيسياً لهذا العنف الرهيب الذي يمارسه ضد الإنسان والإنسانية، لكن بالتأكيد هناك أسباب ووقائع أخرى وكذلك أجواء إقليمية ودولية غير طبيعبة ما زالت تسمح بهذا القدر من الإجرام.
ما زالت ردود فعل العالم على الإبادة دون مستوى إحداث ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته، والأرجح أنها ستبقى كلاماً في كلام، على رغم بعض المواقف المتقدمة من إسبانيا وإيرلندا وبلجيكا وغيرها. الواضح أن الصين وروسيا خارج الفعالية في هذا السياق، الصين لماديتها المفرطة وعدم اهتمامها إلا بمصالحها الخاصة وروسيا لانهماكها بحرب أوكرانيا، وهي أساساً تتمتع بعلاقات جيدة مع إسرائيل منذ سقوط الاتحاد السوفياتي قبل 35 عاماً.
لقد وضع الغرب العرب منذ قرن أمام تحدي الحرب، والحقيقة أن الحروب الإسرائيلية على العرب (دول الطوق) كانت دوماً حروبا غربية كاملة العدة والعدد، حتى الحرب على غزة المعزولة والمحاصرة كانت حرباً غربية تجندت لها في البداية اميركا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وغيرها دول كثيرة تبين لاحقاً أنها كانت تمد إسرائيل بالسلاح.
في قراءة للتصريحات الأميركية الأخيرة (الرئيس ترامب ووزير خارجيته روبيو) دعم لا مواربة فيه لنتنياهو، يقولان إن لا بد من القضاء على "حماس" نهائياً. وهذا لا يعني إلا تأييد خطة الحرب الشاملة على القطاع حتى إحراقه ورميه في البحر ببشره وحجره ومن بعد ذلك ينظر في أمره طبقاً للرؤية الإسرائيلية وحدها. الكلام الآخر لا معنى له سوى ذر الرماد في العيون وإتاحة الوقت لنتنياهو ليكمل هذا الدمار الرهيب.
العلامات الدالة
الأكثر قراءة
العالم العربي
9/29/2025 5:14:00 PM
"نحن أمام مشروع ضخم بحجم الطموح وبحجم الإيمان بالطاقات"
تحقيقات
9/30/2025 4:06:00 PM
تقول سيدة فلسطينية في شهادتها: "كان عليّ مجاراته لأنني كنت خائفة"... قبل أن يُجبرها على ممارسة الجنس!
ثقافة
9/28/2025 10:01:00 PM
"كانت امرأة مذهلة وصديقة نادرة وذات أهمّية كبيرة في حياتي"
اقتصاد وأعمال
9/30/2025 9:12:00 AM
كيف أصبحت أسعار المحروقات في لبنان اليوم؟