احتلال مدينة غزة: شكوك في القضاء على "حماس" وتخوّف من الاستنزاف
تتوغل فرقتان من الجيش الإسرائيلي في وسط مدينة غزة، وتحيط فرق أخرى بالمدينة من ثلاث جهات، وتترك فقط ممراً بمحاذاة الساحل لمئات الآلاف من السكان للنزوح عبره إلى الوسط والجنوب، بحثاً عن "المدينة الإنسانية" المزعومة.
يجري التقدم الإسرائيلي البرّي الأوسع منذ نحو سنتين، بغطاء سياسي أميركي معلن، عبّر عنه الرئيس دونالد ترامب الثلاثاء بمخاطبته "حماس" عبر منصة "تروث سوشيال" قائلاً: "لقد سقطت كل الرهانات... أطلقوا الرهائن فوراً". وسبقه وزير الخارجية ماركو روبيو إلى القول إنه لا يمكن لغزة أن تحظى بمستقبل أفضل "في حال عدم إزالة حماس".
لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل يمكن لنتنياهو أن ينجح فعلاً بعد احتلال مدينة غزة في توجيه الضربة القاضية لـ"حماس" وفق ما تعهّد لترامب؟
على مدى 23 شهراً من الحرب ومجرياتها وفصولها المتعددة، لا يوجد ما يدعم مزاعم نتنياهو. وتقدّر الاستخبارات الإسرائيلية أن نحو ثلاثة آلاف مقاتل من "حماس" لا يزالون في مدينة غزة، بينما هناك 20 ألف مقاتل قد توجّهوا نحو الجنوب والوسط. والتحفظ الذي أبداه رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير إزاء العملية العسكرية الجارية الآن، ليس نابعاً من خشيته فقط على حياة 20 أسيراً إسرائيلياً لا يزالون في قبضة "حماس"، بل أيضاً من إمكان الانزلاق إلى حرب استنزاف طويلة في القطاع بعد إنجاز الاحتلال.
إذن، ماذا لو لم يؤدِّ احتلال مدينة غزة إلى القضاء على "حماس" وفق ما يتراءى لنتنياهو وينتظره ترامب بفارغ الصبر؟
ومع رهان نتنياهو على أن ترامب لن يذهب إلى حدّ الانقلاب عليه، فإن خناق العزلة من قبل الحلفاء الأوروبيين بدأ يتحوّل إلى مصدر للشكوى في إسرائيل. وهذا اتجاه سيتعزّز مع قرار مرتقب للاتحاد الأوروبي بفرض مزيد من العقوبات التجارية، في وقت تهبط فيه الأسهم في بورصة تل أبيب منذ الإعلان عن بدء الهجوم البري قبل يومين.

وغداة الاستنتاج الذي توصّلت إليه لجنة تحقيق مستقلة تدعمها الأمم المتحدة بأن إسرائيل "ترتكب إبادة في غزة"، دعا المفوض السامي لحقوق الإنسان في المنظمة الدولية فولكر تورك إلى "وقف المذبحة في غزة". ونددت بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإسبانيا بالهجوم، وكان ذلك حافزاً للوكسمبورغ كي تنضم إلى الدول الأوروبية والغربية التي تزمع الاعتراف بدولة فلسطين الأسبوع المقبل.
وممّا يرجّح أيضاً كفة المخاطر على كفة المكاسب، أن نتنياهو يذهب إلى مدينة غزة بينما 70 في المئة من الإسرائيليين يؤيدون وقفاً للنار يُطلق بموجبه الأسرى، عكس ما كان عليه الوضع في الأشهر الأولى التي تلت هجوم "حماس" على غلاف غزة في 7 تشرين الأول/ أكتوبر.
ويشير هذا إلى أن غالبية الإسرائيليين باتت على اقتناع بأن "حماس" لم تعد تشكّل تهديداً لإسرائيل بعد الخسائر التي لحقت بها، سواء على مستوى المقاتلين أو قياداتها العسكرية والسياسية. ويتفق المستوى العسكري في إسرائيل مع هذا الرأي. لكن المشكلة تكمن في أن الجنرالات الذين طالما كانوا يجدون آذاناً صاغية من السياسيين، فقدوا هذه الميزة مع نتنياهو ووزرائه من اليمين القومي والديني المتطرف، الذين يفرضون على الجيش تنفيذ أجنداتهم السياسية، ويحمّلونه وحده وزر الإخفاق في 7 تشرين الأول 2023، ويفلتون هم من المحاسبة.
واحتلال مدينة غزة فصل عبثي آخر في الحروب الأبدية، التي تعمّق نكبة الفلسطينيين وتؤجج التوترات في الشرق الأوسط.
نبض