مشروع الدولة لا يتعزز إلّا على أنقاض نفوذ إيران

من الصعب جداً تصور المسار الذي ستسلكه الأزمة الإسرائيلية - القطرية بعد الهجوم الذي نفذته إسرائيل على أحد مقار حركة "حماس" في العاصمة الدوحة. الأزمة ليست عابرة مثل الأزمة الموضعية التي نشبت بين الدوحة وطهران في أعقاب قيام إيران بتوجيه صواريخها نحو قاعدة العديد الأميركية في سياق تفاهم غير منظور قضى بأن تتلقى الأراضي القطرية الرد الإيراني على قصف المنشآت النووية الإيرانية خلال حرب الـ١٢ يوماً الأخيرة بين إسرائيل وإيران، وذلك من أجل إنهاء الحرب بضربة تصبّ في حفظ ماء وجه إيران بعد ما تلقته من ضربات إسرائيلية وأميركية على حد سواء. هذا يعني أن الضربة الإيرانية كانت منسّقة بين مختلف أطراف اللعبة. أما الضربة الإسرائيلية فلم يكن هناك اتفاق بشأنها وأتت مباغتة لدولة قطر التي تعتبر أنها تعرضت لعدوان إسرائيلي موصوف وهذه حقيقة ومن هنا التصعيد الديبلوماسي القطري ضد إسرائيل.
لكن ما يلفت نظر المراقبين أن مشاركة إيران في القمة العربية – الإسلامية الطارئة في الدوحة عبر وزير الخارجية عباس عراقجي ودعوة الأخير إلى إقامة تحالف عربي-إسلامي ضد إسرائيل في وقت تعتبر فيه معظم الدول العربية سلوك إيران تهديداً وجودياً للعالم العربي، يفوق التهور الإسرائيلي الحالي خطورة على المدى الأبعد، لأن إيران تعمل على تفتيت الكيانات من الداخل من خلال تعزيز الانقسامات الداخلية الطائفية التي تستحضر خلافات سلطوية حصلت في العالم الإسلامي قبل أكثر من ١٤٠٠ عام. إيران تغذي من خلال التحريض الطائفي والمذهبي والغلو في استخدام واستغلال خلافات سلطوية في الحقبة الإسلامية الأولى، خلق شروخ داخل كل دولة بين المسلمين. من هنا إيران لا تقل خطراً عن إسرائيل التي تهدد بالطائرات لكنها لا تملك القدرة على أن تتغلغل في نسيج اجتماعي عربي وإسلامي لنسف الدول في الإقليم من الداخل. أما إيران التي تتباكى على سلامة دولة قطر فسجلها العربي مثقل بحجم سلبياته المتراكمة.
ماذا عن لبنان؟ هنا نموذج عن السلوك الإيراني الذي ما فتئ يهدد وحدة لبنان من خلال تعزيز مناخ التمرد الذي يقوم به "حزب الله" رافضاً تسليم سلاحه بلا قيد أو شرط إلى الدولة اللبنانية. والحقيقة أن هذا السلاح إيراني الهوية والوظيفة، ومع ذلك لا يتردد وزير خارجية إيران في تقديم بلاده على أنها جزء من الوئام الإسلامي -العربي وأنها متضامنة مع دولة عربية لها مكانتها تعرضت لاعتداء إسرائيلي. إيران لا يعنيها أمن دولة قطر، بل يعنيها أن تسجل نقاطاً في مرمى العالم العربي حتى عندما تكون لجهة الموقف الذي تدلي به تضامنية، أو تصالحية. في لبنان مطرقة إسرائيلية وسندان إيراني ومن لا يرفض أن يرى الضرر الذي ألحقته إيران موازياً للضرر الذي ألحقته إسرائيل على مر العقود، فإنه يكون مصاباً بالعمى السياسي، ولا سيما أن مشروع الدولة في لبنان عاد ليتعزز في اللحظة التي انهار فيها النفوذ الإيراني في المنطقة. هذا الواقع ينطبق على جميع دول بلاد الشام. فأيّ مفارقة هذه تربط بين انهيار إيران وأذرعها وإحياء مشروع الدولة الوطنية في بلاد الشام؟