كتاب النهار 16-09-2025 | 04:00

الولايات المتّحدة ومحاولات تقييد صادرات النّفط الروسي: بين الضّغوط والعقبات

هل تسير أوروبا نحو صفقة سياسية غير معلنة مع ترامب، مقابل دعم توجهه لفرض عقوبات على روسيا، في ظل مماطلة موسكو في المفاوضات واستياء واشنطن من جدوى الحوار مع بوتين؟
الولايات المتّحدة ومحاولات تقييد صادرات النّفط الروسي: بين الضّغوط والعقبات
ترامب مستاء من بوتين؟ (أ ف ب)
Smaller Bigger

د. خالد العزي*

 

تواصل الولايات المتحدة محاولاتها للحد من عوائد روسيا من صادرات النفط، بهدف تقويض قدرتها على تمويل الحرب في أوكرانيا. غير أن تحقيق هذا الهدف على المستوى الأوروبي يبدو بعيد المنال. فقد أشار مسؤول أميركي إلى أن الرئيس دونالد ترامب طرح مؤخراً فكرة فرض رسوم جمركية تتراوح بين 50% و100% على الدول التي تشتري النفط الروسي، مثل الصين والهند. إلا أن تنفيذ هذا الاقتراح مرهون بتحرك مشترك مع الاتحاد الأوروبي، وهو ما لا يبدو وارداً في الوقت الحالي.

لقد أعلنت الصين في 10 أيلول/سبتمبر الحالي، رفضها القاطع للرسوم الجمركية التي تلوّح بها الدول الغربية، والتي تأتي على خلفية شرائها النفط الروسي. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، لين جيان، في مؤتمر صحافي دوري في بكين: "إن موقف الصين من الأزمة الأوكرانية ثابت. نحن لم نشعل هذه الأزمة ولسنا طرفاً فيها. نعارض بشدة زجّ الصين في هذه القضية، كما نرفض بشدة فرض ما يُسمى بالضغوط الاقتصادية عليها".

استياء ترامب من بوتين وموجة جديدة من العقوبات

يتزامن هذا التصعيد مع تجدد استياء ترامب من بطء التقدم في المفاوضات مع روسيا حول الأزمة الأوكرانية. وبحسب صحيفة "نيويورك بوست" في تقرير نشرته خلال آب/أغسطس من العام الماضي، تضغط الإدارة الأميركية على الاتحاد الأوروبي لوقف شراء النفط الروسي والانضمام إلى العقوبات المفروضة على كبار مستوردي موارد الطاقة الروسية، وتحديداً الصين، الهند، وتركيا.

وفي آب/أغسطس فرضت واشنطن رسوماً جمركية بنسبة 25% على الواردات الهندية، بالإضافة إلى رسوم سابقة بالنسبة نفسها، في خطوة فسرتها الأوساط السياسية على أنها عقوبة مباشرة على استمرار الهند في شراء النفط الروسي، برغم التحذيرات الأميركية.

هل باتت أوروبا أمام صفقة سياسية مع ترامب؟

يُطرح سؤال ملحّ في الأوساط السياسية الأوروبية: هل تسير أوروبا نحو صفقة سياسية غير معلنة مع ترامب، مقابل دعم توجهه لفرض عقوبات على روسيا، في ظل مماطلة موسكو في المفاوضات واستياء واشنطن من جدوى الحوار مع بوتين؟

السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام (أ ف ب)
السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام (أ ف ب)

 

ويتساءل مراقبون أيضاً عن توقيت تفعيل الحزمة العقابية التي يدعو إليها السيناتور الجمهوري المتشدد ليندسي غراهام، والتي تستهدف روسيا اقتصادياً. هذا ما يضع ضغوطاً إضافية على الاتحاد الأوروبي، الذي يقف بين رغبة واشنطن في التصعيد، وواقعه الاقتصادي المرتبط جزئياً باستيراد النفط الروسي.

أرقام متضاربة: أوروبا تدفع أكثر للنفط الروسي من دعمها لأوكرانيا

كشف تقرير صادر عن مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف (CREA) في شباط/فبراير، أن أوروبا أنفقت في عام 2024 مبلغاً يُقدّر بـ25.5 مليار دولار على استيراد النفط الروسي، مقارنة بـ21.7 مليار دولار فقط على الدعم العسكري لأوكرانيا، بحسب ما نقلته صحيفة "نيويورك تايمز".

هذا التفاوت يطرح تساؤلات جدية حول فعالية السياسات الأوروبية في دعم أوكرانيا، ويثير انتقادات بشأن مدى التزام القارة العجوز بوقف تمويل آلة الحرب الروسية بطريقة غير مباشرة.

الثغرات في حظر النفط الروسي داخل أوروبا

برغم أن الاتحاد الأوروبي فرض حظراً على واردات النفط الروسي المنقولة بحراً، إلا أن المجر وسلوفاكيا تواصلان شراء النفط عبر خط أنابيب "دروجبا"، الذي استُثني من العقوبات.

عام 2024، صدّرت روسيا ما يزيد قليلاً عن 10 ملايين طن من النفط إلى هاتين الدولتين، من أصل 240 مليون طن تمثل إجمالي صادراتها السنوية.

لذا، تكمن الصعوبة في أن أي حظر أوروبي على استيراد النفط يحتاج إلى تصويت بالإجماع، وهو ما يمكن للمجر وسلوفاكيا تعطيله بسهولة، وقد فعلتا ذلك مراراً. وبرغم المحاولات داخل الاتحاد الأوروبي لتجاوز الفيتو المجري، لم يتم التوصل إلى حل بعد.

واشنطن تركز على الهند... وليس أوروبا

ويقول الخبير الروسي في شؤون الطاقة، إيغور يوشكوف، من الجامعة المالية التابعة لحكومة الاتحاد الروسي، إن الولايات المتحدة تدرك صعوبة فرض حظر شامل على النفط الروسي داخل أوروبا، لذلك فهي تركز على الهند التي لا تزال المفاوضات التجارية معها مستمرة.

وأشار إلى أن الولايات المتحدة تسعى لاستبدال الغاز الروسي في السوق الأوروبية بغازها الطبيعي المُسال، لكنها لا تبذل جهوداً مماثلة في ما يخص النفط.

 وهنا نرى  أن  واشنطن لو كانت مهتمة فعلاً بمنع صادرات النفط الروسية، لأعلنت حظراً عالمياً على شراء هذا النفط. لكن الواقع أن العقوبات الأميركية تقتصر حتى الآن على دولة واحدة فقط – الهند – من خلال فرض رسوم جمركية.

في المقابل، لا تطال العقوبات الأميركية دولًا أخرى تشتري المنتجات النفطية الروسية، مثل تركيا، البرازيل، المجر، سلوفاكيا، وصربيا. بل إن تركيا تحديداً زادت من وارداتها من الوقود الروسي مؤخراً.

الاتحاد الأوروبي يخطط للاستغناء التدريجي عن النفط الروسي

على الرغم من كل ذلك، لا يمكن إنكار أن الاتحاد الأوروبي يسير تدريجياً نحو تقليل اعتماده على النفط الروسي. فقد عدّل هذا الصيف لائحة تتعلق برفض المزيد من النفط والمنتجات النفطية الروسية، وألزم المجر وسلوفاكيا بتقديم خطط للتخلي عن النفط الروسي كلياً بحلول نهاية عام 2027.

ومع ذلك، فإن إنهاء الإمدادات سيؤدي إلى آثار اقتصادية سلبية على هذه الدول التي ستضطر للبحث عن مصادر بديلة بأسعار أعلى، ما سيقلل من هوامش الربح، خصوصاً أنها تبيع فائض الوقود حالياً إلى أوكرانيا وتحقق أرباحاً منه.

صعوبة حظر الوقود المكرر من النفط الروسي

أما في ما يتعلق بالوقود المكرر من النفط الروسي، والذي يُعاد تصديره من دول مثل الهند وتركيا، فقد فرض الاتحاد الأوروبي حظراً عليه، من المقرر أن يدخل حيز التنفيذ في 21 كانون الثاني/يناير 2026. ومع ذلك، فإن تنفيذ هذا الحظر يُعد معقداً للغاية تقنياً، لأنه من الصعب تتبع مصدر النفط الخام بعد تكريره.

ستقوم الهند وتركيا ببساطة بإعادة تصنيف الوقود على أنه مصنوع من نفط آخر. وفي نهاية المطاف، ستبقى المنتجات تصل إلى أوروبا، ما يجعل من تطبيق الحظر تحدياً كبيراً وغير مضمون النتائج.

روسيا تتجه نحو أسواق جديدة

إذا فُرض حظر شامل وخرجت روسيا نهائياً من السوق الأوروبية، فإنها ستتجه إلى أسواق بديلة. ووفقاً لرئيسة مختبر تحليل أفضل الممارسات الدولية في معهد غايدار، أنتونينا ليفاشينكو، فإن الطلب في آسيا وأفريقيا يتزايد باستمرار.

واستشهدت ببيانات وكالة الطاقة الدولية التي تتوقع نمو استهلاك النفط في منطقة آسيا والمحيط الهادئ وأفريقيا بمقدار 4.2 ملايين برميل يومياً بين عامي 2023 و2030. وقد شهدت دول مثل بنغلاديش، فيتنام، سنغافورة، وسريلانكا أكبر نمو في الاستهلاك خلال الفترة 2023–2024.

بالنهاية، برغم الضغوط الأميركية المكثفة ومحاولات دونالد ترامب جرّ أوروبا إلى معركة اقتصادية ضد روسيا، إلا أن الواقع السياسي والاقتصادي يفرض قيوداً على تحركات الغرب.

الاتحاد الأوروبي عاجز عن فرض حظر شامل بسبب الانقسامات الداخلية، بينما تستخدم الولايات المتحدة ورقة النفط للضغط على الهند أكثر من سعيها الحقيقي لتجفيف موارد موسكو.

وفي ظلّ تعقيدات تتبع مصدر النفط، وإمكانية التحايل عبر أطراف ثالثة مثل الهند وتركيا، يبدو أن العقوبات الغربية ستبقى محدودة الفاعلية. في المقابل، تراهن روسيا على انتقال ثقل السوق العالمية إلى آسيا وأفريقيا، لتظل صادراتها قائمة مهما تغيرت قواعد اللعبة الغربية.

 

*المقاربة الواردة لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الإعلامية.

الأكثر قراءة

العالم العربي 9/29/2025 5:14:00 PM
"نحن أمام مشروع ضخم بحجم الطموح وبحجم الإيمان بالطاقات"
تحقيقات 9/30/2025 4:06:00 PM
تقول سيدة فلسطينية في شهادتها: "كان عليّ مجاراته لأنني كنت خائفة"... قبل أن يُجبرها على ممارسة الجنس!
ثقافة 9/28/2025 10:01:00 PM
"كانت امرأة مذهلة وصديقة نادرة وذات أهمّية كبيرة في حياتي"
اقتصاد وأعمال 9/30/2025 9:12:00 AM
كيف أصبحت أسعار المحروقات في لبنان اليوم؟