كتاب النهار 15-09-2025 | 05:11

نتنياهو وعقيدة الحرب الدائمة

في كل مرة يُخيل لنا أن الحرب في غزة قد تضع أوزارها، يكسر بنيامين نتنياهو أفق التوقع بتوسيعها في غزة وخارجها.
نتنياهو وعقيدة الحرب الدائمة
يتفق منظرو الحرب قديماً وحديثاً، ومن مختلف المدارس،على خطورة الحروب طويلة الأمد. (أ ف ب)
Smaller Bigger

في كل مرة يُخيل لنا أن الحرب في غزة قد تضع أوزارها، يكسر بنيامين نتنياهو أفق التوقع بتوسيعها في غزة وخارجها.

 

عقب السابع من تشرين الأول/ أكتوبر سادت تحليلات حول نيات الرجل توسيع الحرب بسبب وضعه الشخصي، وقضايا الفساد التي تلاحقه. لكن الأمر أعمق من طموح شخصي. يقوم نتنياهو مدفوعاً بمكاسب ميدانية غير مسبوقة على أكثر من جبهة، ودعم أميركي، لم يتأثر بذهاب بايدن وقدوم ترامب، بإجراء تحولٍ جذري في العقيدة الإسرائيلية نحو الحرب الدائمة، بوصفها الحالة الدفاعية الأنجع لحماية الكيان الإسرائيلي وجودياً. وهو انحراف عن عقيدة إسرائيل القديمة القائمة على الحروبِ القصيرة لتحقيقِ نتائجَ حاسمة، التي وضع أسسها ديفيد بن غوريون.

تُضفي هذه العقيدة الشرعية على الحملات العسكرية المطولة، كما تُعطي الأولوية للنهج العسكري على التسويات السياسية التفاوضية. وتتسامح، بل تشجع أحياناً، المواجهات المتكررة المخفوضة الشدة والعالية الشدة على جبهات متعددة، وسيلة للحفاظ على سردية أمنية في الداخل والضغط على الأعداء في الخارج. وهذا نهج يختلف عن الردع التقليدي أو العمليات العقابية القصيرة. فهو يتعامل مع الصراع المستمر أداة من أدوات إدارة الدولة وليس كوضع استثنائي.

 

عملياً، شنّت إسرائيل منذ السابع من أكتوبر عمليات عسكرية هي الأكثر اتساعاً من الناحية الجغرافية منذ عام 1948، طاولت سوريا ولبنان واليمن وإيران وقطر وتونس. والأكثر تعقيداً من الناحية النوعية شملت اغتيالات لقادة بارزين، وتدمير بنى تحتية وعسكرية وإقامة مناطق عازلة.

وتبدو دوافع هذا التحول أكثر تعقيداً من الدافع الشخصي لنتنياهو، رغم أن أي صراع دائمٍ من شأنه اليوم أن يعزز مكانته السياسية ويُحيّد المعارضة، ويُهمّش فضائح الفساد، من خلال تركيز انتباه الرأي العام على التهديدات الأمنية. فإن الدافع السياسي والإستراتيجي يبدو حافزاً أكبر لتبني هذه العقيدة. سياسياً تلعب الطبيعة السياسية للائتلاف الحاكم، المكون من أحزاب دينية متطرفة، دوراً كبيراً في التوجه نحو استدامة الحرب. أما إستراتيجياً، فإن أعضاء دائرة نتنياهو وائتلافه يرون في عقيدة الحرب الدائمة سبيلاً وحيداً لتحقيق هدف منع قيام أي دولة فلسطينية، من خلال إبقاء الوضع المحلي والإقليمي تحت السيطرة الإسرائيلية الأحادية. لكن المحرك الأساسي لهذه العقيدة اليوم هو الغطاء السياسي والديبلوماسي الأميركي، الذي أتاح لنتنياهو مجالًا للتصرف بلا ضوابطٍ، وصولاً إلى توسيع دائرة الاستهداف لتطاول حلفاء أميركا، كما جرى في القصف الذي استهدف العاصمة القطرية قبل أيام.

لكن هذه العقيدة، التي تبدو أنها تحقق أهداف نتنياهو، الشخصية والسياسية، لا يمكن أن تحقق هدفه الإستراتيجي، ذلك أن المضي في حرب دائمةٍ ينطوي على مخاطرةٍ متعددة الوجه. بدايةً من إمكان انهيار الوضع العسكري والاجتماعي والسياسي، الراهن في محيط إسرائيل وتحول ذلك المحيط إلى تهديد وجودي بالنسبة لها، خصوصاً أنه يعاني أصلاً من الهشاشة تحت وطأة الضغوط الاقتصادية والسياسية. مروراً بتآكل رأس المال الرمزي في العالم، بما في ذلك التوترات حتى مع الحكومات الحليفة، وهذا أمر أصبحت له شواهد ومؤشرات واضحة. وصولاً إلى التأثيرات السياسية المحلية، مثل التداعيات الاقتصادية، والثغرات الأمنية الطويلة الأمد، بسبب نشر الجيش على جبهات متعددة واستنزاف الموارد.

وأخطر وجوه هشاشة هذا الخيار هو إمكان تحول الموقف الأميركي من الدعم إلى التحفظ أو حتى المعارضة، خصوصاً في ظل وجود مكون سياسي داخل الحركة الترامبية، لا يبدو مرتاحاً للدعم غير المشروط لإسرائيل، فضلاً عن مزاجية سياسية الرئيس ترامب وتقلباته.

 

وربما لم يتفق منظرو الحرب قديماً وحديثاً، ومن مختلف المدارس، على أمرٍ قدر اتفاقهم على خطورة الحروب الطويلة الأمد التي تخوضها الدول، فقد تبدأ شهوة مغرية وتنتهي إلى بركة وحل.

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

العالم العربي 9/29/2025 5:14:00 PM
"نحن أمام مشروع ضخم بحجم الطموح وبحجم الإيمان بالطاقات"
تحقيقات 9/30/2025 4:06:00 PM
تقول سيدة فلسطينية في شهادتها: "كان عليّ مجاراته لأنني كنت خائفة"... قبل أن يُجبرها على ممارسة الجنس!
ثقافة 9/28/2025 10:01:00 PM
"كانت امرأة مذهلة وصديقة نادرة وذات أهمّية كبيرة في حياتي"
اقتصاد وأعمال 9/30/2025 9:12:00 AM
كيف أصبحت أسعار المحروقات في لبنان اليوم؟