تراجع الدولة مستحيل... رضوخ "الحزب" حتمي

من الدعوة إلى حوار للتوافق على "مرشّح الثنائي الشيعي" لرئاسة الجمهورية، إلى الدعوة للتوافق على بقاء "سلاح الثنائي" في أيدي أصحابه على رغم عدم شرعيته. الحوار الأول كان له مؤيدون لكنه لم يتم، وأرغم "الثنائي" نفسه على انتخاب الرئيس جوزف عون، ثم اضطرّ إلى قبول اختيار نواف سلام رئيساً للحكومة، والاثنان لم يكونا مرشحيه، وبدا أن حالاً "توافقية" متجدّدة نشأت في البلاد بعنوانين رئيسيين: استعادة الدولة وحصرية السلاح في يدها.
ومع أن الرئيس نبيه برّي يطرح نفسه "أباً للتوافقية"، إلا أنه لم يستطع التموضع على هذه الموجة إلا جزئياً، "وعلى القطعة"، إذ اعتاد طوال ثلاثة عقود ونيّف على التصنيع والتكييف والقولبة لما يمكن/ أو لا يمكن "التوافق" عليه، تارة باسم "الميثاقية" (مصلحة الطائفة) وطوراً لمراعاة "الوصيّ الأسدي" ومن ثمّ استقواءً بـ "الوصيّ الإيراني" و"حزبه" وسلاحه. هذه المرّة، أيضاً، لن يتمّ الحوار الذي يدعو اليه، سواء لاستحالته شكلاً وموضوعاً أو لأن هناك توافقاً وطنياً محسوماً وعابراً للطوائف على "مصير السلاح".
كان رئيس الجمهورية أول من أشار إلى "حوار" في شأن السلاح، ولم يتّضح ما الذي حلّ بهذا الحوار، لكنه غاب عن الخطاب السياسي. الأرجح أن قنوات التواصل بين الدولة و"حزب إيران" ناقشت سبل "حصر السلاح" واصطدمت في الكواليس بتعارضٍ أصبح الآن علنياً في الأهداف والمفاهيم، إذ يعبّر عنه الأمين العام لـ "حزب إيران/ حزب الله" ملوّحاً دائماً بـ"الحرب الأهلية"، كما أن القادة الدينيين والسياسيين لـ"الحزب" و"الثنائي" لم يعودوا متحفّظين في إطلاق تهديداتهم. كانوا ولا يزالون يعرفون أن التناقض الأساسي هو بينهم وبين الدولة ومنطق الدولة، لكنهم يتذرّعون بـ "الورقة الأميركية" لإضفاء "مشروعية" على تصلّبهم. يرفضون تدخّل الدولة في شأنهم ولا يرغبون في التفاهم معها لمصلحة البلد، مقدار ما يرفضون التدخّل الأميركي الذي توهّموا أنهم طوّعوه سابقاً (في ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل) ويتطلّعون إلى أي تسوية معه لمصلحة إيران.
لا أحد يتعامل مع "الورقة الأميركية" بالأوهام، أو باعتبارها وصفة ودّية أو خيرية بلا مقابل، لكن فيها عناصر مصلحة لبنانية. وإذا اعتبر "الثنائي" أو "الحزب" ومرجعه الإيراني أنها ترجمة لـ "إملاءات إسرائيلية"، فليتذكروا أن "حرب الإسناد" كانت قرارهم وليست قرار الدولة والشعب اللبنانيين، وليعودوا إلى اتفاق وقف النار الذي يريدون تحميل الدولة والشعب مسؤولية التحايل في تنفيذه أسوة بالتحايل في تطبيق كل القرارات الدولية، أو بمعنى أدقّ مسؤولية هزيمة اندفعوا إليها بإرادة ورغبة إيرانيّتين.
أصبح الخامس من أيلول (سبتمبر) موعداً فاصلاً بين "دويلة حزب إيران" التي يجب أن تنكفئ، و"دولة لبنان" التي يجب أن تتعزّز وتسود. أي تراجع للحكم والحكومة عن قراراتهما ينسف حلم الدولة ومشروعها.
في لبنان الآن توافقٌ على خيار تبنّته الحكومة وبات إرادة وطنية جامعة، ولا خيار أمام "الحزب" و"الثنائي" أو مصلحة سوى "التوافق" على الطريقة الفضلى للعودة إلى لبنان.