نتنياهو ينفذ رؤية ترامب لـ"اليوم التالي" في غزة: احتلال كامل وتهجير وتسليمها للوصاية الأميركية

عود على بدء. ما سرّبته صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية عن إعداد إدارة الرئيس دونالد ترامب خطة تنصّ على فرض وصاية أميركية على قطاع غزة لمدة عشرة أعوام، يتناغم تماماً مع غريزة ترامب التي تميل إلى حلول اقتصادية للنزاعات السياسية.
من اتفاق المعادن مع أوكرانيا كجزء من تسوية للحرب الروسية-الأوكرانية، إلى اتفاق مشابه للاستثمار في جمهورية الكونغو الديموقراطية، في سياق اتفاق للسلام مع رواندا ينهي 30 عاماً من الحرب في شرقي البلاد بين الجيش الكونغولي ومتمرّدي حركة "إم 23" المدعومة من الجيش الرواندي، إلى ما يحكى عن اقتراح بإنشاء "منطقة اقتصادية" أميركية في القرى الحدودية في جنوبي لبنان، إلى الوعد باستثمارات أميركية في إيران إن وافقت طهران على اتفاق نووي جديد يحظر عليها تخصيب اليورانيوم على أراضيها؛ كلها اقتراحات تدلّ على أن ترامب هو "رجل الصفقات" وفق ما يطيب له أن يطلق على نفسه.
وفي تفاصيل خطة ترامب لـ"اليوم التالي" في غزة، وضع القطاع تحت الوصاية الأميركية لمدة لا تقلّ عن عشر سنوات، وتحويله إلى منتجع سياحيّ ومركز للتكنولوجيا والتصنيع. وتنصّ الخطة التي يجري التداول بها بمشاركة رئيس الوزراء البريطاني الأسبق طوني بلير، وصهر ترامب جاريد كوشنر، على نقل جميع سكان غزة البالغ عددهم أكثر من مليوني نسمة موقتاً، إما عبر "المغادرة الطوعية" إلى بلد آخر، وإما إلى مناطق "مقيدة وآمنة" في داخل القطاع خلال فترة إعادة الإعمار.
هذه الخطة تتطابق إلى حد بعيد مع استراتيجية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لـ"اليوم التالي" التي أفصح عنها قبل أسبوعين، وتتضمن وضع حد نهائي لسيطرة "حماس" على غزة وتسليمها لطرف ثالث.
ما يتبلور الآن هو أن الطرف الثالث هو الولايات المتحدة. وسبق لترامب أن أعلن، عقب عودته إلى البيت الأبيض في كانون الثاني/يناير الماضي، عن رغبته في تحويل غزة إلى "ريفييرا الشرق الأوسط" ونقل سكانها إلى مصر والأردن. لكن القاهرة وعمان رفضتا الاقتراح، مما حدا بواشنطن وتل أبيب إلى البحث عن دول أخرى مستعدة لاستقبال فلسطينيي غزة. وبين هذه الدول جنوب السودان وليبيا وإندونيسيا وسوريا و"أرض الصومال"، في مقابل مساعدات اقتصادية وسياسية.
وها هنا، يتضح أيضاً أن عملية "عربات جدعون 2" لاحتلال كامل القطاع، بدءاً من مدينة غزة، هي جزء لا يتجزأ من تصور ترامب لما يسميه "تسوية حاسمة وجيدة" ستظهر ملامحها في غضون أسبوعين أو ثلاثة أسابيع.
ويتنافى هذا الطرح، القديم الجديد، مع كل ما يحكى عن مفاوضات لإبرام اتفاق جزئي أو شامل لوقف النار وإطلاق الإسرى الإسرائيليين مقابل أسرى فلسطينيين، والشروع في مفاوضات لتهدئة دائمة.
إذن، لم تعد المسألة مقتصرة على مجرد مناورة عسكرية إسرائيلية لانتزاع تنازلات أكبر من "حماس"، وإنما التوجه إلى تصعيد حتى الاحتلال الكامل للقطاع، مع خطوات موازية للإعلان عن ضم الضفة الغربية، مع بدء موجة الاعترافات المتوقعة بدولة فلسطين في أيلول/سبتمبر الجاري على هامش الدورة العادية للأمم المتحدة.
وفي هذا الإطار، يندرج عدم منح الولايات المتحدة تأشيرات دخول للوفد الفلسطيني، الذي كان من المقرر أن يشارك في أعمال الجمعية العمومية، بذريعة عدم امتثال السلطة الفلسطينية للاتفاقات الموقعة مع إسرائيل، في تجسيد فاضح لازدواجية المعايير التي تطبقها الإدارة الأميركية، التي تتغاضى عن توسيع الاستيطان وعن عنف المستوطنين، وعن اعتزام إسرائيل احتلال غزة بكاملها.
تنذر كل هذه التطورات بمرحلة جديدة من التصعيد الإسرائيلي في غزة وفي الإقليم. وليس أدل على ذلك من تهديد رئيس الأركان الإسرائيلي الجنرال إيال زامير بتصفية قياديي "حماس" في الخارج أيضاً.