آراء 02-09-2025 | 01:42

لماذا على روسيا قبول السلام مع أوكرانيا؟

الحرب في أوكرانيا طويلة ومعقدة وذات أبعاد استراتيجية، لا تقف عند حدود مقاطعة دونباس، ولا عند الرغبة الروسية في الاستحصال على اعتراف دولي بضمّ جزيرة القرم إلى الأراضي الروسية...
لماذا على روسيا قبول السلام مع أوكرانيا؟
حرب أوكرانيا لها تبعات على الساحة العالمية. (أ ف ب)
Smaller Bigger

أقرّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أن عقد لقاء بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، يبدو "بالغ الصعوبة"، مشبهاً محاولة الجمع بينهما بمحاولة "خلط الزيت بالماء".

قرأ البعض في تصريحات ترامب هذه، إرباكاً لإدارته في وقف الحرب الدائرة في شرق أوروبا، والتي بدأها الجيش الروسي في 24 شباط/ فبراير 2022، تحت مسمى "عملية عسكرية خاصة" لتحقيق أهداف دقيقة. هذا الإقرار الترامبي يأتي بعدما تهافتت عناوين الصحف بعد القمة التي جمعت الرئيسين بوتين وترامب في ولاية ألاسكا الأميركية والتي عقدت في 15 آب/ أغسطس الماضي، بحيث ذهبت مختلف التحليلات إلى اعتبارها هزيمة مدويّة لأميركا وانتصاراً واضحاً لروسيا في حربها على أوكرانيا التي شارفت دخول عامها الرابع، ولكن هل فعلاً هذا ما يجب قراءته؟

على ما يبدو، ترامب لن "يدخل الجنة" إن كان الرهان على تحقيق السلام في أوكرانيا، فالحرب هناك طويلة ومعقدة وذات أبعاد استراتيجية، إذ لا تقف عند حدود مقاطعة دونباس، ولا على الرغبة الروسية في الاستحصال على اعتراف دولي بضمّ جزيرة القرم إلى الأراضي الروسية. فالحرب بدأت لا لكي تنتهي بتسوية، وهي لا تتشابه مع حروب ادعى ترامب أنه أخمد نارها، كتلك التي نشبت بين إيران وإسرائيل، أو بين الهند وباكستان على سبيل المثال.

حرب أوكرانيا لها تبعات على الساحة العالمية، فإن عدنا إلى التوتر المستجد بين الهند والولايات المتحدة، ستجد إحداها الأكثر وضوحاً. ففي حين يذهب الجميع في تأكيدهم أن في خفايا الحرب التي تخوضها إسرائيل في الشرق الأوسط بغطاء أميركي واضح، هناك هدفاً يعمل الإسرائيلي على تحقيقه، وهو يرتبط ببناء ممر اتفق على تعبيده مسبقاً في نيودلهي في 10 أيلول/ سبتمبر من عام 2023، هو الممر الاقتصادي الهندي الذي يجعل من الشرق الأوسط نقطة وصل بين جنوب آسيا والعمق الأوروبي. لكنّ التطور الذي حصل مع إصدار ترامب قرار رفع الرسوم الجمركية على الواردات السلعية لبلاده من الهند، لتصل إلى 50% شكّل المفاجأة، خصوصاً بعدما أدرك المتابع أن السبب يرتبط بعدم الموافقة الهندية على طلب أميركي تصفير الاستيراد النفطي من روسيا.

مع بداية الحرب في أوكرانيا وتوالي العقوبات الغربية على روسيا وفرض مقاطعة شبه تامة، أخذت موسكو خيار التوجه شرقاً في نيّة واضحة لاستبدال أسواقها التجارية مع بلوغ عدد العقوبات الغربية عليها 24 ألفاً. هذا الأمر شكل حبل نجاة للاقتصاد الروسي المتعثر، من خلال القدرة على استمرار تمويل ميزانية الحرب، حتى لو كانت أسعار نفطها تباع بأدنى من السعر الذي فرضه الغرب وهو 60 دولاراً للبرميل الواحد لتجفيف إيرادات روسيا النفطية التي تبلغ حوالى 30% من ناتجها القومي.

استفادت الهند من الحاجة الروسية لبيع نفطها وغازها، ليس لتعزيز القدرة التنافسية لسلعها من خلال خفض تكلفة الإنتاج وحسب، بل ذهبت نيودلهي لتراكم أربحها من خلال بيع النفط الروسي بأسعار أغلى مما تشتريه، بحسب ما أشار وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت، في مقابلة مع شبكة "سي. إن. بي.سي".

كما الهند كذلك الصين، فهي أيضاً لم تلتزم القرار الأميركي وقف استيراد النفط والغاز الروسيين، الأمر الذي دفع واشنطن إلى التفتيش عن بديل تعتمده لتعطيل حركة التصدير الروسي من أجل حثّ موسكو على التفكير "مرغمة" في وقف عمليتها العسكرية في أوكرانيا، وتقليص شروطها التفاوضية.

وأكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في مقابلة مع شبكة "إن بي سي" الأميركية، الجمعة 21 أب/ أغسطس، أن "لا خطة لعقد لقاء مع الرئيس الأوكراني". إن فشل تحديد اللقاء الثلاثي بين ترامب وزيلينسكي وبوتين. ومع التدخل الأوروبي على خطّ التسوية عزّز أيضاً موقف زيلينسكي وحسّن من شروط التفاوض، وسط استمرار الضربات المتبادلة بين طرفي النزاع، وتصاعد وتيرتها، خصوصاً مع ما تمّ الكشف عنه من تطور مذهل في الصناعة العسكرية الأوكرانية.

إذ كشفت كييف عن صاروخ جديد يعدّ الأسرع في ترسانتها الصاروخية، بحيث يمكنه ضرب أهداف في العمق الروسي. وهذا الصاروخ من نوع كروز، ويطلق عليه اسم "فلامنغو FP-5" ويستطيع حمل رأس حربي يزيد وزنه عن طن، والطيران مسافة تتجاوز 3000 كلم. اللافت أنه تمّ تطوير هذا الصاروخ بالكامل في أوكرانيا، وأنتجته شركة الدفاع الأوكرانية "فاير بوينت"، واستغرق تطويره من الفكرة إلى اخضاعه لأول اختبار في ساحة المعركة 9 أشهر، وفقاً للرئيسة التنفيذية والمديرة التقنية للشرطة إيرينا تيرخ.

لم يستطع ترامب فرض قراره على حليفه الهندي ولا على عدوه الصيني، ولكنّ ما استطاع فعله هو تغيير التكتيك عبر دفع واشنطن سراً كييف إلى توجيه ضربات قاضية على مصافي الطاقة وأنابيب التصدير في العمق الروسي، كما في المقاطعات التي احتلها الجيش الروسي مع بدء عمليته الخاصة.

خلال الأسابيع القليلة الماضية، عادت الضربات الأوكرانية تطاول مصافي النفط ومحطات الغاز الروسية على كامل أراضي المقاطعات المجاورة للحدود الأوكرانية، وحتى البعيدة مع الإعلان عن الصاروخ "فلامنغو". وركزت الضربات المتكررة على مصاف عدة في مقاطعة فولغوغرادن أهمها محطة تابعة لشركة "لوك أويل" تعدّ من أكبر 10 محطات في روسيا. كما استهدفت مصاف عدة في إقليم كراسنوادر أبرزها "أفيبسكي" و"ايليا" و"نوفوكويبيشيفسك" و"سيزران"، واستهدفت أخرى في مقاطعات ومناطق ومدن ساراتوف وتفير وغيرها، إضافة إلى محطة لمعالجة الغاز الطبيعي في أستراخان.

وضربت مسيّرات كييف خطوطاً لنقل النفط والغاز، ومحطات قطارات لشحن الوقود ومحطات ضخ على أراضي روسيا، وكذلك داخل الأراضي الخاضعة لسيطرة موسكو. ولقد باتت مثل هذه الضربات شأناً شبه يومي، وتفسرها البيانات الصادرة عن الهيئة بالقول إن المصافي تزود الجيش الروسي الوقود، وهي تهدف الى ىعرقلة سير العملية العسكرية عبر ضرب مصادر الوقود للجيش الروسي لشلّ حركة تنقلاته. ممارسة مزيد من الضغط على روسيا عبر ضرب محطات الطاقة، حيث تسبب هجوم بمسيرّة أوكرانية، الأحد 24 آب الجاري، باندلاع حريق قصير الأمد بمحطة كورسك الروسية للطاقة النووية.

باتت واضحة الأهداف الأوكرانية ذات الخلفية الأميركية، من هذه الحرب التي رفض رئيسها التخلي عن أي شبر من أرض بلاده، لذلك توجه إلى تغيير في قواعد الحرب من إلحاق الأذى بالعسكر إلى ضرب اقتصاد روسيا من خلال تعطيل مصادر تصدير النفط، أو حتى عرقلة سير العملية والتأثير على الحياة العامة للمواطنين الروس لحثهم على الانتفاضة ضد النظام لوقف الحرب. فهل سيدفع ذلك موسكو إلى اتخاذ خيار التفاوض مرغمة تحت وطأة الضربات المتزايدة على مصادر الطاقة؟ أم لها عنوان آخر للحرب لم تزل تحتفظ به كما كانت حالها في التحايل على العقوبات الغربية؟

 

-المقاربة الواردة لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الإعلامية.

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

شمال إفريقيا 10/6/2025 7:23:00 AM
فرض طوق أمني بالمنطقة ونقل الجثتين إلى المشرحة.
النهار تتحقق 10/6/2025 11:04:00 AM
ابتسامات عريضة أضاءت القسمات. فيديو للشيخ أحمد الأسير والمغني فضل شاكر انتشر في وسائل التواصل خلال الساعات الماضية، وتقصّت "النّهار" صحّته. 
لبنان 10/6/2025 11:37:00 PM
افادت معلومات أن الإشكال بدأ على خلفية تتعلق بـ "نزيل في فندق قيد الإنشاء تحت السن القانوني في المنطقة".