كتاب النهار 01-09-2025 | 05:08

تركي آل الشيخ والعقل الجمعي في زمن الحملات الرقمية

الخطر أن تتحول روايةٌ أحادية غير مدقَّقة إلى تعبئة جماعية، تُلحق أذى بمشاريع وطنية وتشوّه سمعتها، وأن يكون الانفعال سيد الموقف.
تركي آل الشيخ والعقل الجمعي في زمن الحملات الرقمية
أحد مطاعم شاورمر
Smaller Bigger

لم تعد شبكات التواصل مجرد فضاء للتعبير، بل ساحات تدار فيها العواطف كما تُدار الحملات السياسية أو الفكرية الموجهة. فما يبدو تفاعلاً عفوياً، قد يكون أحياناً جزءاً من سياقٍ منظمٍ يستثمر الغضب والسخط العام لأهداف محددة، أو لتصفية حسابات شخصية. وهنا تبرز خطورة الاندفاع وراء "الترند" من دون تمحيص، وتحويل الجمهور من حيث لا يدري، إلى أداة في لعبة أكبر، كثير من تفاصيلها يجهلها المتابع الذي يقرأ ظاهر الأشياء دون السؤال عن مآلاتها!


قضية "شاورمر"، وهي شركة تجارية سعودية تمتلك سلسلة من المطاعم في مدن عدة، يمكن أخذها كمثال عن كيفية التفاعل الذي يجري في المنصات الاجتماعية، ويكون له تأثير واسع على الجمهور. فخلافٌ مهني بين الموظف والشركة، تحول في ساعات إلى سجالٍ في منصة X ودعوات موجهة نحو المقاطعة ووسومٍ حادة، مُهدداً استمرار علامة تجارية محلية شهيرة.


المسألة لا تتعلق بالدفاع عن الشركة أو اتهام الموظف؛ فذلك أمرُ يُفصل فيه عبر مؤسسات الدولة المختصة، سواء وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية أم وزارة العدل. الخطر أن تتحول روايةٌ أحادية غير مدقَّقة إلى تعبئة جماعية، تُلحق أذى بمشاريع وطنية وتشوّه سمعتها، وأن يكون الانفعال سيد الموقف، قبل التريث والتثبت!


وسط هذه الضوضاء، جاء واضحاً وصريحاً موقف رئيس "الهيئة العامة للترفيه" المستشار تركي آل الشيخ، الذي قارب الموضوع بهدوء وعقلانية، كاتباً عبر منصة X "أنا ما أعرف قصة شاورمر وخلفيتها، لكن اللي متأكد منه إنه مو شي صحي براند سعودي يحصل معاه كذا"، مضيفاً: "لا تسلّم عقلك لترند ولا لصراع بين متنافسين"، ومتسائلاً: "هل عرفتوا خلفيات الموضوع وأسبابه ولا سمعتوا من جهة وحدة؟". واعتبر أنه "بافتراض حصل خطأ، هل الحل أدمر مشروعاً للسعوديين؟"، متسائلاً: "كم واحد بيكون بلا وظيفة؟ وهل التحريض على المقاطعة هو الحل؟".


لكن لماذا هذه الدعوة إلى التروي؟


وفق دراسة نشرتها  Science (MIT) فإن "الأخبار الكاذبة على تويتر أسرع انتشاراً وأبعد مدى من الصحيحة"، فهي أكثر احتمالاً لإعادة التغريد بنسبة 70%. فيما تستغرق الأخبار الصحيحة ستة أضعاف الوقت لتصل إلى 1500 شخص مقارنة بالكاذبة.


كما وثق "معهد أكسفورد للإنترنت" انتشار حملات التلاعب المنظم عبر المنصات. ففي عام 2020 وجد الباحثون أدلة إلى نشاط "قوات إلكترونية" تُسيس الفضاء الرقمي في 81  دولة حول العالم، وهو ارتفاع كبير عن الأعوام السابقة، ودليل إلى "التصنيع" الواسع للتضليل السياسي. بالطبع، لا يعني ذلك أن كل حملة محلية موجهة خارجياً، لكنه يُظهر حجم الظاهرة وبُناها العابرة للحدود!


قد يكون موظف "شاورمر" السعودي الذي يدّعي أنه فُصل بسبب مديره الأجنبي، محقاً في دعواه، وقد لا يكون كذلك. إلا أن الأهم أن لا يصير الموقف السلبي من "الأجانب" محركاً للجمهور في منصات التواصل الاجتماعي، لأن السعودية اليوم وجهةٌ لكل الكفاءات المحلية والأجنبية، وتفتح أبوابها مرحبة بالسياح والراغبين في صناعة الإنجاز وتحقيق أحلامهم المستقبلية المشروعة.


الحاجة ماسة إلى تفكيرٍ مستقل ووعي رقمي. فعموم الناس والإعلام وصنّاع الرأي مدعوون إلى التحقق من مصدر القصة والخبر قبل المشاركة؛ وأيضاً، انتظار رواية الأطراف المعنية والجهات الرسمية، إضافة إلى التمييز بين مساءلةٍ مشروعة ومقاطعةٍ انفعالية. وهذا السلوك يحتاج إلى تعزيز التفكير المستقل لدى الفرد. 

 


حينما يُقدم العقل على الانفعال، نصون السلم المجتمعي، ونصنع رأياً عاماً واعياً لا ينساق وراء الحملات، بل يوجهها نحو الحقيقة والإنصاف.


العلامات الدالة

الأكثر قراءة

العالم العربي 9/15/2025 8:43:00 PM
 خلف الحبتور: في موقف يعكس غطرسة لا حدود لها، يخرج رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو ليأمر سكان غزة بإخلاء مدينتهم، وكأنها ملك له يوزع أهلها كما يشاء
المشرق-العربي 9/12/2025 12:25:00 PM
إقفال منتجع "إكس بيتش" في منطقة وادي قنديل في محافظة اللاذقية.
شمال إفريقيا 9/15/2025 11:56:00 AM
محاكمة سيدة متهمة بقتل زوجها وأطفاله الستة في قرية دلجا التابعة لمركز ديرمواس بمحافظة المنيا
لبنان 9/14/2025 2:53:00 PM
 تغيير مسار طائرة تابعة لشركة طيران الشرق الأوسط المتجهة من بيروت إلى مطار هيثرو في لندن بسبب عارض صحي أصاب أحد الأطفال