قمة البحث عن الكنوز القطبية

كتاب النهار 20-08-2025 | 16:41

قمة البحث عن الكنوز القطبية

الاستنفار الديبلوماسي الأوروبي لمواكبة ما حصل في قمة ألاسكا له ما يبرره، سواء في ما يتعلق بالملف الأوكراني الذي يعني أوروبا بالدرجة الأولى، أو لناحية المواضيع التجارية المهمة التي طُرحت...
قمة البحث عن الكنوز القطبية
محاصرة الصين جزء أساسي من أهداف الحراك الأميركي. (أ ف ب)
Smaller Bigger

سرقت الحرب في أوكرانيا غالبية أضواء قمة الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين التي عقدت في ألاسكا، لكن مرامي القمة وأهدافها لم تقتصر على إنهاء هذه الحرب، وتبين من تسريبات ومعلومات متعددة المصدر، أن البحث عن كنوز المناطق القطبية الشمالية، كان طبقاً ديبلوماسياً رئيسياً على طاولة النقاش، إضافة إلى المواضيع التي تتعلَّق بمستقبل العلاقات التجارية والسياسية بين الدولتين الكبيرتين.

والبحث عن الكنوز القطبية يشمل التنقيب عن المواد الأولية الغالية الثمن المدفونة تحت الجليد على مساحة السهوب الواسعة في أقاصي الشمال الروسي ومحيط ولاية ألاسكا الأميركية، وقرب مضيق بيرينغ الذي يفصل أراضي البلدين.

 

واختيار عقد القمة في قاعدة إيلمندورف – ريتشاردسون العسكرية الأميركية في ألاسكا ليس عفوياً على الإطلاق، بل يحمل دلالات واضحة على أهمية المناطق القطبية المنسية، ويؤشر على واقعية بيع الأراضي أو استبدالها بين الدول، كما حصل مع مقاطعة ألاسكا التي اشترتها الولايات المتحدة الأميركية من قياصرة روسيا عام 1867 بمبلغ 7 ملايين دولار. ومقاربة شراء الأراضي الشاسعة المتروكة، مطروحة من جديد، والعرض يشمل شراء جزيرة غرينلاند الدانماركية العملاقة، وتبادل الأراضي مطروح أيضاً بمناسبة البحث عن حلول للحرب الدائرة في أوكرانيا.

والمحادثات الأبرز التي أجريت في قمة ألاسكا، تمحورت حول التعاون لإيجاد ممرات بحرية توصِل بين القارة الأميركية وشرق آسيا، عبر المياه القطبية، وتؤدي لاحقاً الى الاستغناء عن بعض المعابر الأوروبية، وتقلِّل من أهمية بحر الصين الجنوبي في التجارة الدولية.

 

ومحاصرة الصين جزء أساسي من أهداف الحراك الأميركي، وبطبيعة الحال فإن مقاصد الغَزَل الأميركي لروسيا يهدف الى تخفيف روابطها مع الصين، ولو كان الأمر غير مُعلن، نظراً للعلاقات الوطيدة التي تربط بين بكين وموسكو.

قبل انعقاد القمة، تفاجأ مراقبون من مراكز أبحاث استراتيجية، ومتابعون للعلاقات الدولية، بطبيعة تركيبة الوفدين اللذين رافقا الرئيسين، إذ ضمَّ كلاً منهما وزيري تجارة البلدين ووزيري المال إضافة الى وزيري الخارجية ورئيس صندوق الاستثمار الروسي ومبعوث الرئيس الأميركي الخاص ستيف ويتكوف، ولم يحضر أي من الخبراء الأمنيين والعسكريين ولا وزراء الدفاع، كما كان منُتظراً، كون أولوية القمة إيقاف الحرب في أوكرانيا كما أعلن الجانب الأميركي. ويبدو واضحاً أن هناك ما هو مُعلن حول القمة، وما هو مخفي كما عنونت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية صبيحة اليوم الذي تلا انعقاد القمة.

وزير التجارة الروسي يوري أوشاكوف الذي حضر القمة، أشار إلى تشكيل لجان مشتركة لمتابعة تفاصيل المواضيع التي تمَّ طرحها، ولم يخفِ إمكان الاتفاق بين الجانبين على إقامة مشاريع واسعة النطاق ذات منفعة متبادلة. وأضاف "أن المصالح الاقتصادية لبلدينا تلتقي في ألاسكا والقطب الشمالي"، والفريقان قد يوقعان على معاهدة بشأن استثمار المعادن النادرة، وكل ذلك يؤكد أن لقاء ألاسكا لم يكُن مخصصاً للملف الأوكراني فحسب، رغم أن إنهاء الحرب هناك هدف رئيسي للرئيس ترامب، كونه مدخلاً إلزامياً للوصول إلى طموحه الحصول على جائزة نوبل للسلام لهذا العام، وباعتبار أن انهاء الحرب يُحرِّر الإدارة الأميركية من القيود التي تُلزمها فرض عقوبات على الجانب الروسي، والتعاون التجاري والاستثماري يحتاج الى رفع العقوبات عن موسكو بالدرجة الأولى.

ولعلَّ الأهم في سياق البحث عن كنوز القطب الشمالي، هو الولوج إلى مرحلة متقدمة من التعاون في مجال انتاج السفن العملاقة القادرة على مواجهة المناخ القارس في المناطق الباردة والمتجمدة. وبالفعل فإن المعلومات المُسرَّبة تؤكد أن عملاً منتظراً يخطط له الطرفان في هذا السياق، بما في ذلك إنشاء مصانع كبيرة لإنتاج القاطرات والبوارج القادرة على العبور فوق الجليد ومواجهة المناخ الشديد البرودة، عن طريق الاستفادة من الخبرات الروسية المتقدمة في هذا المجال، وتوظيف الإمكانات التمويلية الأميركية الوازنة. وفتح خط تجاري عبر البحار القطبية الشمالية، سيشكل حدثاً بالغ الأهمية في مجرى التجارة الدولية، كما ستكون له انعكاسات متعددة على التعاون الدولي في هذا السياق.

ولم تغفُل المعلومات التي تسربت عن محادثات القمة إمكان التعاون الروسي - الأميركي في التنقيب عن المعادن الثمينة على الأراضي الأوكرانية التي دخلتها روسيا منذ بداية الحرب في شباط/ فبراير 2022، والمعطيات تؤكد أن السهوب الشرقية لأوكرانيا غنية بالمواد الأولية الثمينة.

الاستنفار الديبلوماسي الأوروبي لمواكبة ما حصل في قمة ألاسكا له ما يبرره، سواء في ما يتعلق بالملف الأوكراني الذي يعني أوروبا بالدرجة الأولى، أو لناحية المواضيع التجارية المهمة التي طُرحت. وتجاوب الجانب الأوروبي السريع مع طلب الإدارة الأميركية حضور القادة الأوروبيين للقمة التي حصلت بين ترامب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي بعد مرور يومين على اجتماع قاعدة إيلمندورف، لم يُبن من فراغٍ سياسي، فالدول الأوروبية يهمها معرفة الكيفية التي ستنتهي فيها الحرب الأوكرانية، وتجهد حتى لا تشكل النهاية انتصاراً لروسيا، ويهمها أيضاً معرفة تفاصيل التعاون المستقبلي الذي سيحصل بين واشنطن وموسكو، خصوصاً في المجال التجاري القطبي، وهو سيقوِّض المجال الحيوي الأوروبي إذا ما حصل.

واضح أن الرئيس ترامب أقنع شركاءها الأوروبيين بالتعاون لإعطاء ضمانات أمنية لكييف لكي تتجاوب مع مساعي إنهاء الحرب. وواضح أيضاً أن ترامب أرضى حلفاءه - ديبلوماسياً على الأقل – بتأكيده أن مسار التعاون المستقبلي بين بلاده وروسيا لن يكون على حساب أوروبا، وهو لم يقل في العلن أن التعاون موجه ضد الصين.

 

-المقاربة الواردة لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الإعلامية.

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 10/8/2025 3:44:00 AM
أقدم شقيق النائب الأردني السابق قصي الدميسي على إطلاق النار من سلاح رشاش تجاه شقيقه عبد الكريم داخل مكتبه، ما أدى إلى وفاته على الفور.
اقتصاد وأعمال 10/8/2025 7:17:00 PM
ما هو الذهب الصافي الصلب الصيني، ولماذا هو منافس قوي للذهب التقليدي، وكيف سيغير مستقبل صناعة المجوهرات عالمياً، وأهم مزاياه، وبماذا ينصح الخبراء المشترين؟
النهار تتحقق 10/8/2025 9:20:00 AM
إعلان مفرح من محمد شاكر خلال الساعات الماضية. "صدر حكم ببراءة والدي، فضل شاكر"، وفقاً للمتناقل. فيديو تكشف "النّهار" حقيقته.  
سياسة 10/8/2025 1:16:00 AM
تمام بليق يوضح حقيقة ما جرى مع الشيخ حسن مرعب في صيدا