إسرائيل تتعمّد قتل الشّهود على الإبادة في غزة وأوروبا غير قادرة على ردع نتنياهو من دون ترامب
وقت كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يعطي الإذن لجيشه باصطحاب مزيد من الصحافيين الأجانب خلال العمليات التي ينفذها في غزة، كانت القوات الإسرائيلية تغتال مراسلي قناة "الجزيرة" الفضائية القطرية أنس الشريف ومحمد قريقع، إضافة إلى ثلاثة من طاقم القناة، في غارة قرب مجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة ليل الأحد.
ينضم الشريف وقريقع إلى أكثر من 200 صحافي قتلتهم إسرائيل في الأشهر الاثنين والعشرين من حربها المستمرة على غزة، وفق منظمة "مراسلون بلا حدود". وهي سياسة إسرائيلية تستهدف قتل الشهود على الجرائم ضد الإنسانية وحرب الإبادة التي ترتكبها في القطاع.

الجريمة الجديدة أتت بعد يومين من إقرار المجلس الوزاري المصغر خطة لتوسيع الحرب، عبر احتلال مدينة غزة أولاً، تمهيداً لاحتلال كامل القطاع. وجاءت بالتزامن مع إعلان نتنياهو أن أفضل طريقة لوضع حد للحرب هي بتوسيعها، ضارباً عرض الحائط بكل التحذيرات الدولية والأممية من "العواقب الكارثية" التي ستنجم عن خطوة كهذه. وهناك جزء من المعارضة الإسرائيلية، من تياري اليسار والوسط، بدأ يتجرأ على الحديث علناً عن رفضه للتصعيد ويميل إلى صفقة تبادل للأسرى ووضع حد نهائي للحرب، قبل أن تتحوّل إسرائيل إلى دولة منبوذة عالمياً. وحذر زعيم المعارضة يائير لابيد من أن توسيع الحرب "سيعني موت الأسرى (الإسرائيليين) وانهيار الاقتصاد الإسرائيلي".
وعلى كل هؤلاء، يردّ نتنياهو بأن الصور عن الفلسطينيين الجوعى في غزة مفبركة، ويتوعد باتخاذ إجراءات ضد الدول الأوروبية والغربية الأخرى، وآخرها أستراليا، التي تعتزم الاعتراف بدولة فلسطين في أيلول/سبتمبر المقبل.
ويكفي خروج المستشار الألماني فردريتش ميريتس عن تردده، واتخاذه قراراً بحظر إرسال بعض أنواع الأسلحة التي يمكن أن تُستخدم في غزة، للتدليل على أن دولة مثل ألمانيا، وهي بعد أميركا ثاني مصدر للسلاح إلى الدولة العبرية، وجدت نفسها مرغمة على اتخاذ مثل هذه الخطوة "التي تشير إلى أن ألمانيا التي عانت من ماضيها النازي، تريد القول إنها تعلمت من التاريخ، ولا تريد تكرار التجربة ذاتها في غزة"، بحسب ما كتب جدعون ليفي في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية الأحد.
ومع ذلك، يغدو مستحيلاً أن يتراجع نتنياهو من دون تحرك جدي للرئيس الأميركي دونالد ترامب لوقف الحرب، وليس الاكتفاء بزيادة نسبة المساعدات الغذائية التي تدخل القطاع. فالجوع المستشري هناك هو نتيجة للحرب واستمرار القتال. وأي ترتيبات ستُتخذ ستبقى عرضة للانهيار من دون وقف العمليات العسكرية، فكيف إذا توسع نطاقها.
يزين نتنياهو لترامب أن توسيع الحرب واحتلال كامل القطاع هو السبيل الوحيد المتوافر للقضاء على "حماس" واستعادة الأسرى "أحياءً أو أمواتاً"، في تعبير ينطوي على التمهيد لاحتمال مقتل 20 أسيراً يُعتقد أنهم لا يزالون على قيد الحياة، إلى جانب 30 أسيراً من الأموات.
الموقف الأميركي أوقع الحلفاء الأوروبيين في حيرة، ودفعهم، بحسب تحقيق مطول لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، إلى استخدام ورقة الاعتراف بدولة فلسطين، كمسعى للتأثير على نتنياهو، مع الأخذ في الاعتبار الحراك الديبلوماسي الذي رعته فرنسا والسعودية في الأمم المتحدة، وانتزاع موقف من جامعة الدول العربية يدعو للمرة الأولى "حماس" إلى إلقاء السلاح وتسليم غزة للسلطة الفلسطينية بدعم دولي، يستند إلى مسار تفاوضي يوصل إلى حل الدولتين.
والأدهى من ذلك، أن ثمة شكوكاً تساور الأوروبيين إزاء ما إذا كانت إدارة ترامب ملتزمة بما التزمت به إدارات أميركية سابقة في ما يتعلّق بقيام دولة فلسطينية. وسبق لوزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أن وصف مؤتمر حل الدولتين في نيويورك بأنه "في غير وقته" وعبارة عن "حيلة دعائية".
من المحسوم أن ترامب الذي يتردد في الضغط على نتنياهو بسبب الخوف من انقلاب قاعدته الإنجيلية عليه، هو الوحيد الذي يمكن أن يردع نتنياهو. فهل يفعل قبل فوات الأوان؟
نبض