"حزب الله" يستخف بالعقول!

كان يوما الخامس والسابع من آب/ أغسطس هذا الشهر مشهودين في تاريخ لبنان الحديث؛ فلأول مرة منذ سنوات، يوضع على جدول أعمال مجلس الوزراء اللبناني ملف حول نزع سلاح "حزب الله"!
أي متابع لمسيرة التاريخ اللبناني في العقود الأربعة الماضية يرى بوضوح أن هناك تغولاً لحزب واحد من نوع واحد على كل لبنان، بل على المنطقة بأجمعها. واحتفظ هذا الحزب باسم الله، مما يعني بأن كل الأحزاب الأخرى أو الاجتهادات السياسية هي خارج رضاء الله؛ وهو تغوّل آخر قبل به كثيرون من دون تمحيص.
في الخامس من هذا الشهر، وفي نفس توقيت اجتماع مجلس الوزراء اللبناني لبحث الملف، تحدث الأمين العام للحزب نعيم قاسم، فقال إن هناك شروطاً للحزب، منها منع ما سمّاه نفوذ السفراء على القرار اللبناني. وهو يتحدث كانت صورة قاسم سليماني في الخلفية، من دون شعور بالتناقض، بين ما يطلب وما يعرض! ولم يتذكر السيد الأمين العام أن الأمين العام الأسبق قال علناً في 16-2-2010 في ذكرى أسبوع الشهداء بعد الحرب مع إسرائيل 2006 إن "سلاح الحزب من إيران، والمال من إيران، والطعام من إيران، ونعترف بفضل إيران، عاش الإمام الخامنئي، عاشت إيران"!
قبل ذلك التصريح، كان هناك تصريح أهم للأمين العام الأسبق في 27-8-2006 بعد انتهاء حرب الـ30 يوماً على لبنان، في مقابلة مع قناة "الجديد" قال بالحرف الواحد: "لو كنت أعلم أن اختطاف الجنود الإسرائيليين سيؤدي إلى هذه الحرب، لما فعلت ذلك". بعد فترة تحوّلت نتيجة الحرب إلى ما سماه أيضاً الأمين العام الأسبق "النصر الإلهي"!
أليس ذلك التناقض استصغاراً للعقول؟!
مجموعة من التناقضات التي يقدمها "حزب الله" للبسطاء من الناس، وفي الوقت نفسه يحمل تاريخاً ثقيلاً مما يرقى إلى الجرائم ضد الإنسانية. وقد قال متحدث باسم العدالة الانتقالية السورية أخيراً إن سوريا سوف تلاحق "حزب الله" بسبب ما فعله بالمواطنين السوريين، عندما شنّ حملة عسكرية على المواطنين العزّل في القرى السورية.
"حزب الله" قام باختطاف طائرات لدول مثل الكويت والعراق لحساب إيران. وقام أيضاً بالاعتداء على رؤساء دول، كما قام بتدريب مجموعات مختلفة من بلدان عربية متعددة من أجل أن تحمل السلاح ضد أنظمتها.
اليوم، يقول من جديد إنه يحتفظ بسلاحه في لبنان، من أجل مقارعة إسرائيل، وقد شهدنا في 2006 كما شهدنا في 2023 نتيجة الاشتباك بين "حزب الله" وإسرائيل. كانت النتيجة هدم القرى اللبنانية في الجنوب، ومساحات واسعة من بيروت، وتهجير قسري لأكثر من مليون مواطن، ومئات القتلى، وانتهى الأمر باحتلال بعض الأراضي اللبنانية!
كلّ سرديات الحزب ومن يدافع عنه في الفضائيات، تفتقد أقلّ العناصر إقناعاً بأن ما يقوم به دفاعاً عن لبنان هو في حقيقة الأمر استباحة للبنان، وتمكين الجيش الإسرائيلي من الأرض اللبنانية، واستفادة المافيات المختلفة الاقتصادية والسياسية التابعة للحزب، واستباحتها موارد لبنان وتعطيل الدولة.
فرضية قيام الحزب هي الدفاع عن مصالح إيران. وعندما قامت الحرب بين إيران وإسرائيل تبين أن الحزب لا يستطيع أن يفعل شيئاً لدفع الضرر عن إيران، كل ما فعله هو العبث بالأمن الإقليمي واستباحة دماء الآمنين.
احتفاظ "حزب الله" بالسلاح هو من أجل الحصول على مساحة أوسع في النفوذ السياسي والمالي في لبنان. مساحة أكبر من مجموع مساحات المكونات اللبنانية الأخرى، وهذا ما يرفضه الجسم اللبناني، ويرفضه العقل السليم أيضاً.
الحزب اليوم في مأزق، فإما أن يسير مع الدولة اللبنانية، يشارك في وطن عادل، تتساوى فيه الرؤوس بصرف النظر عن خلفياتهم الحزبية أو الطائفية، تحت سقف القانون، أو أن يتمرد على الدولة اللبنانية ويخلّ بالسلم الأهلي. إن فعل فسوف يخسر أكثر مما خسر في حربَي 2006 و2023.
قال نعيم قاسم الأمين العام إن "على الدولة اللبنانية أن تخرج الإسرائيليين من لبنان ثمّ يتحدثون في ما يشاؤون". ولم يقل "تخرج القوات الإسرائيلية، ثم نسلّم السلاح". يتحدثون في ما يشاؤون شيء، وتسليم السلاح شيء آخر!
في هذه الفترة الطويلة من الصراع في لبنان، كان العنوان الأساسي هو مخادعة الرأي العام، وقد سار في هذه المخادعة نوعان من الناس: البسطاء من بيئة الحزب، والمستفيدون بشكل وآخر سياسياً أو مالياً من وجود الحزب، وكلاهما من عوامل هدم الدولة اللبنانية. أزف الوقت للتوقف عن الاستخفاف العقول!