هي "فيدرالية" الشواطئ العامة: هل يمكن أن تكون المقاربة فيها مبالغة؟ أم من الطبيعي أن يكون لكل شاطئ عام إجراءاته التي تنسجم مع الطابع الثقافي – الاجتماعي للمنطقة؟

هي المعادلة التي تُطرح مع كل موسم صيف. هذا العام، ومع انطلاقة عمل بلديات جديدة، يسلط الضوء على الشواطئ العامة. فما التدابير؟ وهل الشواطئ تخضع للبلدية أم هي ملك للدولة؟

من المعلوم أن الشواطئ الشعبية التي يكون الدخول إليها مجانياً، تمتد من الشمال الى الجنوب، وغالباً ما تخضع لسلطة البلدية. واذا كان القانون يقضي بالسماح لأي مواطن بالوصول الى الشاطىء لأنه من الاملاك العامة، فان الواقع اللبناني بعكس ذلك، لان معظم الشواطىء محتلة من قبل نافذين، وتقوم عليها مشاريع سياحية تمنع المواطن من ارتياد الشاطىء. 

إلى جبيل، تسلط البلدية الضوء على الشاطئ العام الذي يُعرف بـ"البحصة". وقد وضعت البلدية اجراءات تراعي في غغالبها القانون العام، ولا تقرب من موضوع اللباس الا بخجل. 

تقول عضو بلدية جبيل إيليز مرهج لـ"النهار": "قبل نحو شهر، وضعنا إجراءات لارتياد الشاطئ. وقد لمسنا تجاوباً تاماً، فالشاطئ غالباً ما يكون ممتلئاً، على مدار أيام الأسبوع. التجاوب عظيم، ولم نلمس أيّ شكوى أو امتعاض".

شاطئ جبيل (انترنت).

وما الإجراءات؟
تلخصها مرهج بشقين: الأمن والنظافة. تشرح: "طبعاً، تدابير السلامة العامة متوافرة، من عناصر الدفاع المدني والمدرّبين الموجودين طول اليوم، فضلاً عن الإرشادات التي تعطى. وفي شق النظافة، الحفاظ على الشاطئ وصحّته بحيث يمنع إدخال المأكولات التي تتطلب الطهو أو الشيّ، فيما يُسمح بالطعام البارد والسندويشات. أما المشروبات الكحولية فيُمنع إدخالها، فيما يُسمح بشرائها هناك".

وفي جبيل، "يُمنع إدخال الحيوانات الأليفة، ويُمنع الدخول إلا بلباس البحر والسباحة"، فضلاً عن إجراءات أخرى تطالع الداخل إلى المسبح العام.

وإلى صيدا، تختلف الإجراءات. ثمة ما يُعدّ قاسماً مشتركاً مع الشواطئ الأخرى لناحية منع إدخال الحيوانات والحفاظ على النظافة، لكن ثمة ما هو مختلف.

على مدخل شاطئ صيدا، تبرز اللافتة بعنوان: "أهلاً بكم في مسبح صيدا الشعبي"، وعليها الشروط: "يُمنع اصطحاب الحيوانات، يُمنع إحضار المشروبات الروحية، التقيّد باللباس المحتشم"، وغيرها. بمعنى واضح، يمنع لباس البحر. 

يخبر عضو بلدية صيدا رئيس لجنة الإعلام والشفافية أحمد شعيب "النهار" أن "هذه الإجراءات لا تحدّ من الحرية. هي تعكس التوجّه العام للمدينة، والطابع الثقافي – الاجتماعي لصيدا".

وإذ يلفت إلى أن "البلدية هي انعكاس لمجتمعها"، يؤكد أن "هذه الإجراءات مرحّب بها، ونحن منسجمون مع توجّه أهل المدينة وطابعها". 

وهذا الموسم، عمل القيّمون على المسبح، وفق شعيب، على "إدخال بعض الإضافات لناحية زيادة "الكيوسكات" التي تقدّم الأكل والشرب وخدمات أخرى إلى أن وصل عددها إلى سبعة، ما أعطى تنوّعاً أكبر وكسر بعض النمطية، فكان المزيج بين الشعبي والمتوسط. وهذا الشق يخدم المدينة اقتصادياً لكوننا استعنّا ببعض المراكز المحلية".

ألا تحد هذه الإجراءات من ارتياد البعض له؟
يجيب شعيب: "بالعكس قد تكون هذه الإجراءات قيمة مضافة، بحيث إن البعض يفضل ألّا يرتاد شواطئ أخرى بسبب إجراءاتها أيضاً، فيجد هنا ما يناسبه".

هل هو "تنوّع لبناني" أم انتقاص للقانون العام الذي يفترض أن يطبق على كل الشواطئ العامة؟!
من المعلوم أنه في صيف 2023، وقعت حادثة مع الناشطة ميساء يعفوري حين هاجمها أحد الشيوخ وطلب منها مغادرة المسبح في صيدا لكونها ترتدي "المايوه". ومذذاك، علقت هذه اللافتة على مدخل المسبح.
قد يتحجّج البعض بأنه، وفق القانون، "يحق لرئيس البلدية اتخاذ قرار بتنظيم استخدام الشاطئ"، ولا سيما لناحية الإشكاليتين اللتين تتقدمان اللائحة وهما المشروبات الكحولية و"نوعيّة" اللباس. 

وأيضاً، ضمن "التنوّع"، مُنعت عائلة من السباحة في شكا، قبل أعوام، بحجّة أنها تضمّ محجبات... باختصار، لا مسح واحداً للشواطئ العامّة بل "فيدرالية" تفرز وفق المناطق والبلديات.

شاطئ عام في لبنان (انترنت).

يمين: تحتاج بعض القرارات مصادقة الجهات الادارية والرقابية 
من الناحية القانونية، فيوضح المحامي عادل يمين أن "للبلديات صلاحية اتخاذ إجراءات تنظيمية تتعلق بالشواطئ، خصوصًا في ما يتصل بالنظافة والسلامة والصحة العامة والنظام العام. ويبيّن أن القانون يُجيز للبلديات وضع أنظمة تنظيمية داخل نطاقها البلدي، على ألا تتعارض مع القوانين والمراسيم الأعلى مرتبة أو مع الدستور. وفي بعض الحالات، تستدعي هذه الأنظمة مصادقة الجهات الرقابية كالقائمقام أو المحافظ".
ويؤكد يمين أن "التدابير التي اعتمدتها بلدية جبيل، مثل منع السباحة ليلاً ومنع النرجيلة والكراسي والمشروبات الكحولية، تقع ضمن صلاحياتها القانونية، وتُعدّ مثالاً سليماً".

في المحصلة، يعكس تنظيم الشواطئ كما في جبيل توجهاً متزايداً لدى البلديات نحو إدارة الفضاءات العامة بفاعلية، بما يلبّي حاجات الزوار ويحفظ النظام والسلامة. وبينما تبقى لكل مدينة خصوصيتها الثقافية والاجتماعية، تُظهر هذه الخطوات أن تنظيم الشواطئ لم يعد خياراً، بل ضرورة تفرضها التحديات البيئية والسياحية، وتؤسس لنموذج يمكن البناء عليه في مدن ساحلية أخرى.