كتاب النهار 06-06-2025 | 04:18

عدّادات العالم تتوقف... إلّا عدّاد الحصادة الإسرائيلية

توقفت عدّادات العالم، لكن عدّاد الحصادة الاسرائيلية لم يتوقف، إنه يعمل ليل نهار مضيفاً كل دقيقة المزيد من الضحايا الذين لم يعد أمامهم الا الموت، قتلاً أو جوعاً أو قهراً.

راغب جابر

المصدر: "النهار"

عدّادات العالم تتوقف... إلّا عدّاد الحصادة الإسرائيلية

ماذا بعد هذا الدمار الرهيب؟

توقف العالم عن عدّ الفلسطينيين الذين يسقطون يومياً بالعشرات بالقذائف والصواريخ والرصاص في قطاع غزة. لم يعد العدد يهم أحداً في العالم الذي تكيف مع مشاهد المجازر اليومية التي باتت جزءا من اليوميات المألوفة، وخبراً ثانوياً في الصحف ومحطات التلفزيون والإذاعة ومواقع التواصل الاجتماعي. الأمر سيان، سواء قتل مئة ألف فلسطيني أم مئتا ألف أم ثلاثمئة ألف. يبدو الرهان على الرأي العام العالمي في الضغط على الحكومات عبثياً، فرجال الحكم في الغرب والشرق لا يهتمون كثيراً بمشاعر الناس وآرائهم طالما لا خطوات ضغط عملية وحاسمة.
توقفت عدّادات العالم، لكن عدّاد الحصادة الاسرائيلية لم يتوقف، إنه يعمل ليل نهار مضيفاً كل دقيقة المزيد من الضحايا الذين لم يعد أمامهم الا الموت، قتلاً أو جوعاً أو قهراً. لا تريد إسرائيل وقف القتال حتى إنهاء غزة عن بكرة أبيها وليس "حماس" وحدها كما تزعم. هذه الوحشية على الغزيين يستحيل أن تقنع أحداً بأن الحرب هي على "حماس".
تعمل الحصادة الإسرائيلية فيما يمدد الجيش مهلة عملياته شهراً بعد شهر، ويتحدث أركانه وخبراء التحليل العسكري عن شهور إضافية لحسم الحرب ضد "حماس"، معترفين بأن الحركة لاتزال تملك عناصر للمقاومة التي تجلى آخرها في كميني جباليا اللذين قتل فيهما ثلاثة جنود وجرح نحو عشرين آخرين.
تسابق اسرائيل الزمن لحسم الحرب قبل أن تضطر الى الموافقة على صفقة مع "حماس" تريدها إدارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب الذي وعد في حملته الانتخابية بوقف الحروب في العالم، لا سيما منها في أوكرانيا وفي الشرق الأوسط، فلم ينجح لا هنا ولا هناك حتى الآن، وفيما تتعثر جهوده على جبهة أوكرانيا، قد يركزها على المنطقة لعله يفي بعض وعود تحفظ له صدقيته.
منذ بداية المجازر والعالم يحتج لفظياً على المجزرة الإسرائيلية المتمادية في غزة، الخطوات العملية حتى الآن ما زالت دون مستوى القدرة على إحداث ضغط فعلي وحاسم على نتنياهو وزمرته من المتطرفين الدمويين. مواقف الدول الأوروبية تراوح بين طلب إدخال المساعدات إلى الجائعين في غزة والتلويح بوقف الإمدادات العسكرية والقبول بحل الدولتين. لكن الوقائع منذ 7 تشرين الاول/أكتوبر 2023 لا تشير إلى أن نتنياهو يحسب حساباً للمواقف العالمية، ولاسيما منها الغربية، من أي دولة أتت، ربما باستثناء الولايات المتحدة إذا حاد رئيسها ترامب عن تقلباته والتباسات خطاباته الملتوية والمتغيرة باستمرار.
وفيما لا يبالي نتنياهو بالضجة العالمية، الرسمية والشعبية، المناهضة لاستمرار الحرب الوحشية على غزة، ولا بتدهور صورة إسرائيل لدى الرأي العام العالمي، تنفجر في وجهه مشكلات داخلية آخرها تهديد أحزاب الحريديم و"إسرائيل بيتنا" الذي يتزعمه المتطرف أفيغدور ليبرمان بإسقاط الحكومة والدعوة إلى انتخابات مبكرة، على خلفية قوانين التجنيد وإعفاء المتدينين الحريديم من التجنيد الإجباري، وكذلك على الفشل في حسم حرب غزة حتى الآن.
سبق لحكومة نتنياهو ان واجهت مشاكل مشابهة قبل أشهر، واستطاعت المؤسسة السياسية والدينية استيعابها، وهو ما قد يحصل هذه المرة أيضاً، فالدولة العميقة في إسرائيل، بسياسييها وحاخاماتها وجيشها واستخباراتها وإعلامها، تجمع على هذف واحد وإن اختلفت نظرتها إلى وسيلة تحقيقه. جميعهم يريدون تدمير غزة وطرد أهلها ويعتبرون أن الحرب يجب أن تستمر حتى القضاء نهائياً على "حماس". في هذا الموضوع ليس هناك حمائم وصقور، كلهم صقور مفترسة.
وفي السياق، يعتقد بعضهم أن الرئيس الاميركي قد يمارس ضغوطاً كبيرة على نتنياهو مستدلين إلى ذلك بالخلاف الظاهري بين الرجلين والكلام "القاسي" لترامب بحق نتنياهو، لكن ذلك ليس مؤكداً، وستكشف الأيام المقبلة مدى تجاوب نتنياهو مع المساعي الاميركية لإنجاز هدنة في غزة، خصوصاً بعد الفيتو الأميركي على مشروع قرار في مجلس الأمن بوقف الحرب.
هي حرب تطهير عنصرية ولن توقفها إسرائيل قبل أن تضمن ترحيل الفلسطينيين، قسراً أو طوعاً. اما "حماس" فلم تعد الا الذريعة.