لمَ تعارض دول الخليج ضرب طهران؟

آراء 06-06-2025 | 03:59

لمَ تعارض دول الخليج ضرب طهران؟

 إلى أيّ مدى ستستمر سياسة "ربط النزاع" مع الإيراني؟
لمَ تعارض دول الخليج ضرب طهران؟
عالم الدين الإيراني غلام رضا قاسميان
Smaller Bigger

وصفت السلطة القضائية الإيرانية، إلقاء السعودية القبض على عالم الدين الإيراني غلام رضا قاسميان بـ"غير المبرر". وكان قاسميان قد نشر مقطعاً مصوراً ينتقد فيه سياسات المملكة الأحدث لتخفيف العديد من القيود الاجتماعية، في إطار سعيها لفتح الاقتصاد أمام السياحة والشركات الغربية.

هذا وأطلقت المملكة سراح قاسميان الذي اعتقل يوم الإثنين 25 أيار / مايو أثناء أداء مناسك الحاج... 

 

خبر كهذا لا بدّ أن يتوقف عنده المتابع، لأنه يبرز مدى الاختلاف بين الرياض وطهران، كما يؤكد أن هناك "هشاشة" في العلاقة المستجدة بين البلدين، وأن توقيف الشيخ وإطلاق سراحه، يحمل رسائل سعودية واضحة إلى الجانب الإيراني، على اعتبار أن العلاقة، رغم التقدم الحاصل على المستوى الديبلوماسي، ولكنّها تحمل الكثير من نقاط الاستفهام حول جديتها واستمراريتها.

أتى قرار إطلاق سراح قاسميان، بالتزامن مع ما كشفته القناة "12" العبرية في تقريرها عن أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أمر بوقف التنسيق العسكري مع إسرائيل، خشية أن يعرقل هجومها المحتمل على منشآت إيران النووية المحادثات الجارية مع طهران.

وبحسب التقرير، أجرى ترامب اتصالاً هاتفياً مع رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، حذره خلاله "بلهجة حادة"، من القيام بهجوم منفرد على هذه المنشآت. لا جديد في هذا الخصوص، لا سيما وأن الرجل أطلق من ضمن حملاته الانتخابية تعهدات بوقف الحروب المنتشرة، في أوكرانيا كما في الشرق الأوسط. إذ على ما يبدو، اختلفت سياسات ترامب تجاه المناطق الساخنة، لا بل اختلف في نظرته لجعل أميركا قائدة للعالم، فهو يريدها "عظيمة" وليست قائدة.

لكن ما هو جديد في تصريح ترامب الأخير، تأكيده أن قادة السعودية والإمارات وقطر أبلغوا ترامب، خلال زيارته المنطقة، "رفضهم أي هجوم عسكري على إيران"، وتشجيعهم على التوصل إلى اتفاق نووي جديد عبر السبل الديبلوماسية. فهل فعلاً قرار ترامب بوقف التنسيق أتى استجابة لمطالب دول الخليج العربي؟ أم هناك غاية في نفس يعقوب؟

في عمق الاتصال نجد أن ترامب يدفع نحو إيجاد قوة متنوعة في مناطق النفوذ في العالم، تعمل على فرض التوازن والأمن، لهذا توجه إلى دول الخليج في زيارته الأولى ليؤكد أنّ المنطقة يحددها أمنها و"التوازن الإقليمي بين دولها". تريد واشنطن في المنطقة لعب دور الضابط الأمني، فلطالما بُنيت استراتيجيتها على مبدأ توزيع القوى بين اللاعبين الأربعة الرئيسيين في المنطقة، الخليجي والإسرائيلي والتركي والإيراني. فإن أي خلل ترتكبه واشنطن في هذا الإطار يعطي أفضلية الهيمنة لفريق على الآخرين، الأمر الذي يعرّض حضورها للخطر لا بل يجعل مصالحها في المنطقة عرضة "للابتزاز" من قبل الفريق المهيمن.

لا شكّ بأن العلاقة بين ترامب ونتنياهو تتعرض للكثير من الاهتزازات، لا سيما أن وقاحة نتنياهو لا حدود لها حتى داخل دوائر القرار الأميركي، وهذا ما بات يزعج ترامب. لهذا، يعمل الأخير على ضبط جنوح نتنياهو كي لا تستيقظ الإدارة الأميركية يوماً وتجد عسكرها في خضم المعركة الإقليمية، لهذا اتخذ ترامب منفرداً قرار وقف الهجمات على اليمن بعدما أخذ ضمانات بعدم تعرّض قواته لأي هجوم صاروخي.

لا يتوقف الأمر عند ما يريده الأميركي من المنطقة، بل أيضاً لدول الخليج رؤية استراتيجية ترتبط أولاً بمصالحها المرتبطة بالممر النفطي الرئيسي عبر باب المندب الذي يقع تحت نيران الإيراني وجماعاته. فإن دول الخليج تدرك جيداً أن أي تدهور عسكري في المنطقة سيرتد مباشرة على أمن ممراتها النفطية في موضوع التصدير، هذا ما يهدد موازناتها التي ترتكز ارتكازاً رئيسياً على العائدات النفطية.

كما في الأمن النفطي كذلك الأمر يتعلق بالخوف الخليجي من اهتزاز الصعود الاستثماري في مجالي التحولات الرقمية والسياحة. فهذه البلدان الخليجية تعمل على خلق بيئة آمنة بعيدة عن التوترات العسكرية، لأنها تسعى لأن تكون دولاً مستقطبة للاستثمارات الدولية، وهذا يحتاج حتماً إلى تفاهمات سياسية. لقد أدركت تلك الدول أن الأمن والاستقرار لا يمكنهما أن يُفرضا عبر القوة العسكرية، بل يفرضان عبر الأطر السياسية بما يتضمن التفاهمات وبناء الشراكات، وليس إطلاق الشيخ الإيراني إلا دليلاً إلى رفض المواجهة مع إيران.

لدى دول الخليج قراءة مختلفة أيضاً للموضوع، بعيداً عن لغة القوة الاستعراضية التي يحاول نتنياهو إظهارها في المنطقة. فإن أي عمل عسكري تجاه طهران، سيرفع من منسوب "نشوة" الانتصار عند نتنياهو، الذي لا يترك مناسبة إلا ويعبر فيها عن صناعته لشرق أوسط جديد. فهذا الرجل الذي رفع شعار تغيير خريطة المنطقة، بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر عام 2023، لن يتوانى، إن أقدم على ضرب إيران، عن فرض شروط حكومته ذات الطابع اليميني المتطرف في وضع رسم جديد لخريطة المنطقة، وهذا ما تخشاه دول الخليج.

إن قرار العودة الخليجية القوية إلى لبنان وسوريا، دليل إلى أنّ هذه الدول تعمل على ضبط جنوح نتنياهو والقوى الإقليمية الأخرى، من تركيا وإيران. هناك أيضاً إشكالية جوهرية لا تستطيع دول الخليج التعامي عنها، وهي إقامة دولة فلسطينية، حيث يريد نتنياهو إزالة القضية من الذاكرة والوجود. لهذا رفعت هذه الدول ورقة التحدي أمام التعنّت الإسرائيلي عبر التركيز على حل الدولتين الطريق الأمثل لتحقيق السلام في المنطقة.

لا تستطيع الدول الخليجية وحيدةً وقف العدوان على غزة وبناء حل الدولتين، لأنّ الموضوع يرتبط بالقدرة على فرض التأثير على الجانب الإسرائيلي. لقد وجدت بتقاطع المطلب في الاعتراف بدولة فلسطينية عنواناً آخر للتقارب الحذر مع الإيراني، رغم الاختلاف في جوهر القضية، إذ ترفض طهران حلّ الدولتين، لكنّه يبقى أفضل السبل لربط الصراع في هذه المرحلة بينهما، إلا أن السؤال يبقى: إلى أي مدى ستستمر سياسة "ربط النزاع" مع الإيراني، وهل قضية قاسميان عابرة أم سيُبنى عليها؟

 

- المقاربة الواردة في المقالة لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الإعلامية.

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 11/2/2025 7:34:00 PM
أفادت شبكة "سي أن أن" الأميركية، استناداً إلى مصادر استخباراتية أوروبية، بأن هناك دلائل إضافية على جهود الجمهورية الإسلامية لإعادة تأهيل قدرات وكلائها، وعلى رأسهم "حزب الله"
كتاب النهار 11/3/2025 5:40:00 AM
يكفي الفلسطينيين إساءة الى لبنان الذي حضنهم، وإساءة الى اللبنانيين على مختالف فئاتهم ومكوناتهم
ثقافة 11/1/2025 8:45:00 PM
بصمة لبنانية في مصر تمثّلت بتصميم طارق عتريسي للهوية البصرية للمتحف المصري الكبير.
ثقافة 11/2/2025 10:46:00 AM
"والدي هو السبب في اكتشاف المقبرة، وكان عمره وقتها 12 عاماً فقط سنة 1922."