كتاب النهار 02-06-2025 | 10:10

سوريا من إسقاط الدولة إلى بنائها

من الطبيعي أيضاً أن تجد سوريا نفسها في قلب العالم المعاصر لما تتميز به من موقع جغرافي وثروات طبيعية وشعب أثبت في غربته أنه محب للعمل والتضحية والعطاء
سوريا من إسقاط الدولة إلى بنائها
صورة تذكارية للقاء ترامب والشرع برعاية محمد بن سلمان
Smaller Bigger

مثّل لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب لحظة انفصال مهمة عن الماضي بالنسبة إلى الرئيس السوري أحمد الشرع. فاللقاء الذي جرى برعاية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ما كان  ليتم لولا ما سبقه من تحضيرات، هي أشبه ببنود عقد يلتزم بها الطرفان بغية الخروج بسوريا من مأزقها الذي كان العنف ظاهره فيما شكلت العزلة باطنه.

 

عنف الجماعات المسلحة مقابل عزلة سوريا. وإذا كان إعلان ترامب رفع العقوبات عن سوريا في الرياض مفاجئاً، فإن المفاوضات السورية الإسرائيلية المباشرة، حتى وإن كان موضوعها التهدئة على الحدود، هي المفاجأة الأشد وقعاً. مع تلك المفاوضات انتهت سوريا الممانعة لتبدأ سوريا المنتمية إلى العالم بعد رفع العقوبات عنها تدريجياً. كانت سوريا أيام الأسد الإبن محتكرة لمصلحة القرار الإيراني على  رغم الشعارات القومية التي كانت غطاء للوجود الهزيل لحزب "البعث". ذلك ما عبر عنه السماح للمجموعات المسلحة ومنها "حزب الله" اللبناني باحتلال أجزاء حيوية من الأراضي السورية وإعادة النظر في تركيبتها السكانية. كانت الدولة السورية تقع بين محورين مغلقين: محور المقاومة وهو منطقة نفوذ إيرانية ومحور حزب "البعث" وهو المنطقة التي تتحرك فيها قوى الأمن والمخابرات من أجل القضاء على المعارضة السياسية، حتى الصامتة منها. أما الخارج فقد تُرك لحكومة الأسد التي لم تجد سوى خطابات بشار الجعفري المليئة بالاقتباسات الشعرية منقذاً لها. واقعياً كانت سوريا الأسد دولة عاطلة ومعطلة. عاطلة لأنها اختبأت وراء الشعارات من غير أن يكون لها أي اداء ايجابي على مستوى حفظ السيادة الوطنية، ومعطلة لأنها وقفت حجر عثرة أمام أي تغيير، كان الشعب السوري يرغب في وقوعه.



التغيير في سوريا ضرورة دولية

حينما دخلت الفصائل المسلحة دمشق وضع العالم العربي يده على قلبه خشية أن تتكرر تجربة العراق. وهي تجربة دموية مهدت لضياع الدولة وسط تجاذبات الطوائف وصراعاتها، ومن ثم الأحزاب، ما أدى إلى أن تفرض الميليشيات سلاحها غير القانوني قوة يقع نفوذها فوق القانون. من جانب آخر فإن سوريا لم تكن أصلاً بعيدة عن تداعيات الحرب في لبنان التي كان سلاح "حزب الله" الفالت جوهر قضيتها. فلو لم يكن هناك سلاح "حزب الله" باعتباره سلاحا إيرانياً لما قامت تلك الحرب. وإذا ما نظرنا إلى ماضي الفصائل التي دخلت دمشق منتصرة فإننا نجد أن المخاوف المسبقة لم يكن مبالغاً فيها. غير أن الأفكار النظرية الجاهزة ليست دائما على صواب. ففي الحالة السورية لابد من أن نأخذ في الاعتبار مسألة التوافق الإقليمي والدولي على ضرورة أن يقع التغيير في سوريا وبالأخص بعد أن اضمحلت قوة "حزب الله" في لبنان ولم تعد إيران تملك القدرة على الحركة السريعة وفرض مبادراتها. بسبب ذلك التوافق فإن الحكم المسبق على الفصائل المسلحة باعتبارها صاحبة اليد العليا في المرحلة المباشرة التي تلت سقوط نظام بشار الأسد ينقصه الكثير من الدراية والمعرفة بعناصر القاعدة التي أقيم عليها التغيير. ولا يُنكر أن خروقاً حدثت في تلك المرحلة، غير أن ما لا يُنكر أيضا أن تلك الخروق   تم ضبطها بطريقة حاسمة، كان للمجتمع الدولي دور متشدد وملتزم فيها. وليس بعيداً عن الواقع المحلي أن تلك الفصائل في طريقها إلى تصفية بنيتها من العناصر الأجنبية. هذا أولاً وثانياً فإنها لن تبقى ممسكة بسلاحها ما دامت هناك أبواب عالمية قد فُتحت أمام سوريا لإستعادة موقعها في المجتمع الدلي. 

سوريا دولة تصنع السلام 

ما حدث في سوريا يُعد مكسباً للمجتمع الدولي وليس للسوريين الأحرار وحدهم. بعد خروجها من لبنان بسبب الضربات الموجعة التي تلقاها "حزب الله" خرجت إيران من سوريا. وهو ما يعني أنها لن تكون قادرة على العودة إلى لبنان كما أنها لن تتمكن من الاستثمار الخبيث في القضية الفلسطينية بعد ما حدث في غزة. إن بروز سوريا النافعة والايجابية في تفاعلها مع العالم هو الحدث الذي لا يمكن للمجتمع الدولي أن يسمح لفصائل مسلحة بتعكير صفائه باعتباره حدثاً استثنائياً. ولم يكن الرئيس ترامب في لحظة ترويج عاطفي حينما وافق على لقاء الرئيس السوري أحمد الشرع، ولم يكن أيضا قد اتخذ قراراً يمكن التراجع عنه حينما أعلن البدء برفع العقوبات عن سوريا. ومن الخطوات اللاحقة التي اتخذها الاتحاد الأوروبي برفع عقوباته يمكننا أن نرى ملامح المخطط الدولي لإحتواء سوريا باعتبارها دولة ذات تأثير في صناعة السلام في المنطقة بعيداً عن اللغة المائعة التي أبقت المنطقة في حالة ذهول مشدودة  إلى ماض، ظلت تنتهبه خطابات الحرب وأوهام السلام. من الطبيعي أن تكون سوريا بعد سنوات الحرب الأهلية في حاجة إلى رعاية دولية. ومن الطبيعي أن تكون مراجعاتها لماضيها السياسي صادمة كما هو الحال مع المحادثات المباشرة مع إسرائيل. لكن من الطبيعي أيضاً أن تجد سوريا نفسها في قلب العالم المعاصر لما تتميز به من موقع جغرافي وثروات طبيعية وشعب أثبت في غربته أنه محب للعمل والتضحية والعطاء. سوريا اليوم تبني دولتها من جديد. في وقت قياسي سنرى سوريا جديدة. ذلك رهان عالمي وليس مجرد أحلام محلية.        
 

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

العالم العربي 9/29/2025 5:14:00 PM
"نحن أمام مشروع ضخم بحجم الطموح وبحجم الإيمان بالطاقات"
اقتصاد وأعمال 9/29/2025 10:48:00 AM
في عام 1980، وصل الذهب إلى ذروته عند 850 دولارًا للأونصة، وسط تضخم جامح وأزمات جيوسياسية. وعند تعديل هذا السعر لمستويات اليوم، يعادل حوالي 3,670 دولارًا.
اقتصاد وأعمال 9/30/2025 9:12:00 AM
كيف أصبحت أسعار المحروقات في لبنان اليوم؟ 
النهار تتحقق 9/30/2025 9:34:00 AM
العماد رودولف هيكل ووفيق صفا جالسين معاً. صورة قيد التداول، وتبيّن "النّهار" حقيقتها.