هدى شديد حسناً تفعلين...

صديقتي هدى. آلمنا رحيلك بالتأكيد. أنت الصديقة المحبة. يذكّرني رحيلك برحيل الوزير السابق جان عبيد، عندما نعاه الأضداد، وكلّ ادّعى أنه كان صديقه. ذكّرني موتك بما قاله الشيخ بيار الضاهر خلال تكريمك في قصر بعبدا، "هل تعرفون شخصاً ليس لديه خصوم ولا أعداء. إنها هدى شديد". هذا القول للضاهر تأكد لي أمس، بعد شيوع خبر الوفاة. اختليت بنفسي حزناً على رحيلك، ولجأت إلى وسائل التواصل الاجتماعي، فوجدت أن صفحاته تضج بك، وإن ميتة. تماماً كما حصل في يوم تكريمك من رئيس الجمهورية. كان الخبر الأول. وهذا دليل على مدى حب الناس لك. هذا الحب لم يكن من طرف واحد، كان علاقة تبادلية، ربما كنت أنت المبادرة فيها.
اليوم تطوين صفحة. اليوم تقررين الرحيل، وليتك بكرتِ أكثر في القرار. نحزن لفقدانك، لكننا نتفهم قرار رحيلك. هدى، حسناً تفعلين، بأن تغادري هذه الحياة الفانية. وأنت التي قلتِ أخيراً "أهلكت جسدي وأنا أبحث أين أهرب من وجع قلبي، إلى أن صرت أبحث أين أهرب من وجع جسدي... وهذه المرة لن أهرب". هدى، حسناً تفعلين، بأن تنتقلي إلى عالم آخر. الحياة لا تشبهك ولا تليق بك وأنت مريضة، وأنت تتألمين. الحياة معك حب وضحك وفرح وصخب دائم.
ليست هدى التي تجرجر قدميها لتدخل قصر بعبدا. وليست هدى التي تقبع في زاوية المنزل، لا تقوى على الانتقال من غرفة إلى أخرى. وليست هدى التي تلازم المستشفى. صحيح أنها حافظت على ابتسامتها، لكن هدى لم تكن في الفترة الأخيرة، هدى شديد نفسها. كانت تتعايش مع الألم، وتتحضر للموت.
في القصر أثناء التكريم، سألتُ أحد الأطباء، وهو صديق مشترك، قلت له "هل من أمل بعد؟". قال لي "أعجب كيف تمشي على قدميها. إرادتها الصلبة تدفعها إلى العيش. من كان في مثل حالتها مات قبل سنة في أقل تقدير".
عدتُ إلى المنزل في ذلك النهار، فرحاً بمبادرة رئيس البلاد إلى تكريم هدى، المراسلة في قصر بعبدا لنحو 25 سنة، وحزيناً لأني أيقنت أن ساعة الرحيل تدنو كثيراً.
اليوم، لا يسعني إلا أن أردد الصلاة المقتبسة من جناز الراقدين في الكنائس الشرقية: "مع القديسين أرح أيها المسيح نفس أمتك حيث لا حزن ولا وجع ولا تنهد، بل حياة لا نهاية لها".