حروب ترامب التجارية: مقامرة اقتصادية تهدد العالم

كتاب النهار 11-03-2025 | 09:32

حروب ترامب التجارية: مقامرة اقتصادية تهدد العالم

يبرر ترامب سياساته التجارية، المتقلبة بين فرض فوري للرسوم وتأجيل للتطبيق، بأنها تهدف إلى حماية القطاعات الاقتصادية الأميركية، وتقليل العجز التجاري، وإعادة الوظائف إلى الداخل.
حروب ترامب التجارية: مقامرة اقتصادية تهدد العالم
Smaller Bigger
فتح الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع عودته إلى البيت الأبيض جبهة جديدة في حروبه التجارية، مستهدفاً كندا والمكسيك والصين برسوم جمركية قاسية. هذه الإجراءات، التي جاءت تحت ذرائع متنوعة، من مكافحة تهريب الفنتانيل إلى الحد من الهجرة غير النظامية، تعيد إلى الأذهان استراتيجيته الحمائية التي ميزت ولايته الأولى. لكن، هل هذه الحروب التجارية مجرد وسيلة ضغط لتحقيق أهداف سياسية، أم تحمل تداعيات أعمق على الاقتصاد الأميركي والعالمي؟ 

الحرب التجارية نزاع اقتصادي بين دولتين أو أكثر، تُستخدَم فيه الرسوم الجمركية والعقوبات التجارية كسلاح لفرض الضغوط الاقتصادية. وعادةً ما تبدأ بقرار أحادي من إحدى الدول برفع الرسوم الجمركية على واردات معينة، ما يدفع الدول المستهدفة إلى الرد بالمثل، فتنطلق شرارة تصعيد متبادل يضر بالتجارة العالمية. 

في مطلع شباط (فبراير) 2025، وقّع ترامب أمراً تنفيذياً بفرض رسوم جمركية بنسبة 25 في المئة على الواردات من كندا والمكسيك، و10 في المئة على المنتجات الصينية، مبرراً ذلك بحماية الأمن القومي الأميركي ومكافحة التجارة غير المشروعة. وكما كان متوقعاً، لم تتأخر الدول المستهدفة في الرد، فأعلنت الصين أنها ستتخذ إجراءات مضادة، فيما فرضت كندا رسوماً انتقامية على المنتجات الأميركية بقيمة 155 مليار دولار كندي (108 مليارات دولار أميركي). 

يبرر ترامب سياساته التجارية، المتقلبة بين فرض فوري للرسوم وتأجيل للتطبيق، بأنها تهدف إلى حماية القطاعات الاقتصادية الأميركية، وتقليل العجز التجاري، وإعادة الوظائف إلى الداخل. لكن هذه الذرائع تخفي وراءها دوافع أخرى، أبرزها حساباته الانتخابية، إذ يلجأ ترامب إلى الحمائية التجارية لاستمالة الناخبين، خصوصاً في المناطق الصناعية التي تضررت من العولمة. فوعوده بإعادة الوظائف التي انتقلت إلى الصين والمكسيك تهدف إلى كسب دعم العاملين الصناعيين والمزارعين الأميركيين. كذلك، تأتي هذه الحرب في إطار التسابق الأميركي-الصيني على الهيمنة الاقتصادية والتكنولوجية، إذ تخشى الولايات المتحدة من تفوق الصين في مجالات الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات، لذلك تسعى إلى إبطاء نموها الاقتصادي عبر فرض القيود التجارية. وإلى جانب الأهداف الاقتصادية، تُستخدَم هذه الرسوم كأداة ضغط دبلوماسية في ملفات مثل مفاوضات الهجرة مع المكسيك، والتوترات الجيوسياسية مع الصين. 

مع فرض رسوم على المنتجات المستوردة، تُضطر الشركات الأميركية التي تعتمد على هذه الواردات إلى دفع أسعار أعلى، ما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج وزيادة الأسعار على المستهلكين. في نهاية المطاف، يدفع المواطن الأميركي العادي ثمن هذه السياسات، من خلال تضخم الأسعار وتراجع القوة الشرائية. وعلى الجانب الآخر، عندما ترد الدول المستهدفة بفرض رسوم على المنتجات الأميركية، يتأثر المصدرون الأميركيون، ولا سيما في قطاعات الزراعة والصناعات الثقيلة. خلال ولايته الأولى، أدت سياسات ترامب التجارية إلى خسائر بمليارات الدولارات للمزارعين الأميركيين الذين فقدوا أسواقهم التصديرية في الصين. كذلك تخلق الحروب التجارية حالة من عدم اليقين في الأسواق العالمية، ما يجعل المستثمرين أكثر حذراً ويؤثر في معدلات النمو العالمي، وليست اضطرابات الأسواق المالية منذ فرض ترامب الرسوم سوى دليل واحد على ذلك. وقد تدفع الحروب التجارية الشركات المتعددة الجنسيات إلى إعادة النظر في سلاسل الإمداد الخاصة بها، ما يدفع باتجاه تغييرات جذرية في تدفق التجارة الدولية. 

وعلى الرغم من أن ترامب يدافع عن السياسات باعتبارها وسيلة فاعلة لحماية الاقتصاد الأميركي، تُظهِر التجارب السابقة أن نتائجها ليست كما يُروَّج لها. خلال ولايته الأولى، دفع فرض رسوم جمركية على الصين إلى خسائر كبيرة للشركات والمستهلكين الأميركيين، واضطر ترامب في النهاية إلى تقديم إعانات مالية للمزارعين الذين تضرروا من ردات الفعل الصينية. كذلك، لا تعني الرسوم الجمركية بالضرورة إعادة الوظائف إلى الولايات المتحدة، بل قد تؤدي إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج، ما يجبر الشركات على البحث عن بدائل أخرى، مثل نقل مصانعها إلى دول أخرى لا تخضع للقيود نفسها، كفيتنام أو الهند.

ليست الحروب التجارية التي أشعلها ترامب مجرد خلاف اقتصادي، بل هي جزء من معركة سياسية وجيوسياسية أكبر. وبينما يسعى إلى تعزيز شعبيته عبر سياسات حمائية، سيدفع التكلفة الحقيقية لهذه الحروب المستهلكون الأميركيون، والمصدرون الأميركيون، والاقتصاد العالمي ككل. في عالم مترابط اقتصادياً، لا يمكن لدولة واحدة أن تنجو من تداعيات حرب تجارية بعيدة الأجل. وإذا استمرت هذه السياسة، فقد تسبب اضطرابات كبيرة في سلاسل الإمداد، وتباطؤ اقتصادي عالمي، وحتى تراجع مكانة الولايات المتحدة في التجارة الدولية.

في النهاية، يبقى السؤال: هل هذه الحروب مجرد تكتيك تفاوضي مؤقت، أم أنها بداية لعصر جديد من الحمائية الاقتصادية؟ الأيام المقبلة وحدها ستكشف الإجابة.
العلامات الدالة

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 10/8/2025 3:44:00 AM
أقدم شقيق النائب الأردني السابق قصي الدميسي على إطلاق النار من سلاح رشاش تجاه شقيقه عبد الكريم داخل مكتبه، ما أدى إلى وفاته على الفور.
اقتصاد وأعمال 10/8/2025 7:17:00 PM
ما هو الذهب الصافي الصلب الصيني، ولماذا هو منافس قوي للذهب التقليدي، وكيف سيغير مستقبل صناعة المجوهرات عالمياً، وأهم مزاياه، وبماذا ينصح الخبراء المشترين؟
النهار تتحقق 10/8/2025 9:20:00 AM
إعلان مفرح من محمد شاكر خلال الساعات الماضية. "صدر حكم ببراءة والدي، فضل شاكر"، وفقاً للمتناقل. فيديو تكشف "النّهار" حقيقته.  
سياسة 10/8/2025 1:16:00 AM
تمام بليق يوضح حقيقة ما جرى مع الشيخ حسن مرعب في صيدا