رسالة من امرأة إماراتية
سأحكي لكم قصة فتاة إماراتية تُدعى ’ع‘. انخرطت ’ع‘ في وظيفتها الأولى بعد أشهر من التخرج؛ "طفلة" في الـ22 من العمر، تحمل قناعات طوباوية بأن الأشخاص يُعاملون ويُقدّرون وفقاً لاجتهادهم وإنتاجيتهم وأخلاقهم.
وجدت نفسها المرأة الوحيدة في فريقها، والإماراتية الوحيدة، فـ"استلمها" منذ يومها الأول زميل لها. "لمَ توظفتِ؟ ألستِ إماراتية؟"، سألها بمباشرة فظة. أوضح لها أن "الإماراتيات ثريات"، فهي غالباً "ليست بحاجة إلى الراتب"!
قررت ’ع‘ تبديد أوهام الزملاء وافتراضاتهم وتصوراتهم النمطية، والتي حملوها على سلم الطائرة، ولم يتسن لهم تجديدها. يحين وقت الغداء، فتشتري وجبة زهيدة، كأنما لتبرهن ى أنها لم تولد بملعقة ذهب في فمها، ويحتضر هاتفها فتفضّل صداع إصلاحه على استبداله.
توقعت مديحهم، ولكنهم سخروا منها. "لمَ البخل؟ ألستِ إماراتية؟". جرّبت التبذير إذاً، ولكنهم لم يستشعروا الخلل في تحوّل سلوكها وتطرّفه. "طبيعي"، قالوا، "تبعزق المال لأنها إماراتية".
ثابرت ’ع‘. سوف تعالج تصوّرهم الخاطئ الآخر عن كون الإماراتيات يحظين بحياة سهلة ومنفصلة عن الواقع، فلا تحدي أمامهن سوى شراء حقيبة "بيركن" بجلد التمساح.
يحتدم النقاش عن غلاء المعيشة، أو تجديد الإقامة، أو المواصلات العامة، أو حتى عن ضرائب الدخل وتراكم الثلوج والنزاعات العشائرية في أوطان الزملاء. تحاول أن تبدي اكتراثها، تحاول أن تقول "أشعر بكم"، فيأتي الصد القاسي، "وما يدريكِ؟ أنتِ إماراتية".
تقحم ’ع‘ -منكسرة القلب- السماعات في أذنيها خلال النقاشات المقبلة، فيكون الرد لاذعاً، "ولِمَ تشاركنا هموماً لا تعنيها؟ إنها إماراتية". لا بد إذاً، وأن السبيل الأضمن لزحزحة تحيزاتهم ضدها هو بالاجتهاد المهني.
تحضر مع شروق الشمس، وتغادر بعد مغيبها، فيتبين أن "جميع الظروف مهيأة أمامها للتميز، فهي إماراتية قليلة المسؤوليات خارج نطاق العمل". تتقاعس لاختبارهم، فيؤكدون أن ذلك هو "ديدن الإماراتيات، فهن يمتلكن رفاهية الفشل".
تتحمس لتطوير العمل، وتطرح الاقتراحات، فيلومونها على أنها "تعتقد أنها الأجدر بالإدارة لأنها إماراتية"، وتنزوي في الظل، فإذ بالإماراتيات -كما لو كنا نخرج من خط الإنتاج ذاته في المصنع- "يفتقدن حس المبادرة". تفكّر خارج الصندوق، فتصبح "الإماراتية التي تجهل عاقبة ارتكاب الأخطاء". تعود إلى الصندوق، فتعود "الإماراتية غير المتحلية بالإبداع".
لا يهم من هي ’ع‘، فهي قطعاً قصة أرتال من الموظفات الإماراتيات اللاتي يفاجأن بالضغوط الهائلة، والأعين الفاحصة، تتركز عليهن دون سواهن فقط لكونهن إماراتيات، فتحلل أدنى تصرفاتهن، وتضخّم عثراتهن، وتنتقص من إنجازاتهن.
إنها قصة الكثيرات ممن يتقاطع كونهن نساء في مكان العمل مع كونهن نساء إماراتيات تحديداً، وينتمين إلى أقلية سكانية، فتسحقهن التوقعات والتحيزات والقوالب الجاهزة والصور النمطية الجائرة. والجاني قد يكون إماراتياً مثلها، جرفته الدعاية المغلوطة عن مواطنته.
إنها قصتنا جميعاً. منا من ينفجرن، كما فعلت ’ع‘ في نهاية المطاف، ومنا من يواصلن بإصرار، فكل عام وهن الإماراتيات الأقوى.
نبض