السيادة التكنولوجية

كتاب النهار 03-03-2025 | 06:46

السيادة التكنولوجية

بعد انتهاء الحرب الباردة، دخل العالم مرحلة عولمة ما بعد الحرب. ورغم أن أغلب الدول استفادت من العولمة الاقتصادية خلال هذه الفترة، كان النظام يعاني من تناقضاتٍ في طريقة عمله، ويتجه تدريجياً نحو الصدام بين مكوناته. 
السيادة التكنولوجية
الذكاء الاصطناعي آخر ميادين المنافسة التكنولوجية
Smaller Bigger

 

قبل سنواتٍ لم تكن التكنولوجيا جزءاً أساسياً من مصفوفة ضرورات السيادة لأي دولة. شكلت دائماً عنصر تفوق، أو عرضاً للتفوق، ولكنها لم تكن بما تمثله اليوم من أهميةٍ بالنسبة إلى سيادة الدول، بل كأساسٍ وجودي للمجتمعات. ومع ذلك ظلت التكنولوجيا موضوعاً للبحث في مجال الجيوسياسية والاقتصاد، ولكنها لم تحظ بالكثير من الدراسات في فلسفة السياسة وعلاقتها بالسيادة، وعلى نحو أكبر، علاقتها بمدى محافظة الشعوب على وجودها المتحقق في حال اكتسبت هذا النوع من السيادة أو لا. لكن في السنوات الأخيرة، أولت الدول الغربية أهمية متزايدة لتعزيز قدرتها التنافسية من خلال تطوير التكنولوجيا العالية. وفرضت الولايات المتحدة باستمرار قيوداً على نقل التكنولوجيا والتبادلات الطبيعية مع الصين تحت شعار "فناء صغير وجدار مرتفع"، الأمر الذي لم يلحق ضرراً بالغاً بالعلاقات بين الطرفين فحسب، بل أدى أيضاً إلى تفاقم الوضع الأمني الاستراتيجي العالمي إلى حد ما. 
بعد انتهاء الحرب الباردة، دخل العالم مرحلة عولمة ما بعد الحرب. ورغم أن أغلب الدول استفادت من العولمة الاقتصادية خلال هذه الفترة، كان النظام يعاني من تناقضاتٍ في طريقة عمله، ويتجه تدريجياً نحو الصدام بين مكوناته. وفي ظل هذه الظروف، عملت البلدان والمناطق ذات الصناعات والتقنيات المتقدمة نسبياً، مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، على تعزيز قدراتها التكنولوجية وحاولت إقامة حواجز تكنولوجية قوية كوسيلة مهمة لتعزيز مكانتها ومنع القوى الخارجية من تشكيل ميزة تنافسية عليها. لكن هذه "السيادة التكنولوجية" رغم الإجماع على طبيعتها المصيرية على المستوى النظري، في الممارسة العملية ليست شيئاً تستطيع أغلب الدول تحقيقه. فهي لا تتحقق إلا في سياسات الدول والمناطق التي تتمتع بقدرات علمية وتكنولوجية عالية نسبياً. 
 ومع ذلك، في عصر تستمر التناقضات المختلفة في الظهور، أصبح التعاون بين البلدان اتجاهاً لا مفر منه، وأصبح تحقيق السيادة المطلقة أكثر استحالة. تختلف مفاهيم ما يسمى "السيادة التكنولوجية" لدى البلدان والمناطق على مستويات مختلفة من التنمية. بالنسبة إلى الدول ذات المستويات المتخلفة نسبياً من التطور التكنولوجي، تطورت "السيادة التكنولوجية" تدريجياً للسعي إلى "الاستقلال التكنولوجي" - القدرة على تحقيق التحديثات والتكرارات التكنولوجية من خلال القوة الذاتية عند مواجهة القمع الشامل من القوى الخارجية هي عامل فني في الحفاظ على السيادة. ولذلك فإن الهدف الرئيسي الذي تسعى إليه هذه البلدان هو الحفاظ على الاستقلال التكنولوجي لقطاعاتها الأساسية وتوفير الدعم الفني الكافي، وتجنب الوقوع في صعوبات اقتصادية خطيرة بسبب الحصار التكنولوجي، والتركيز على توريد التكنولوجيا العسكرية. بالنسبة إلى الدول والمناطق التي تتمتع بمستويات متقدمة نسبياً من التطور التكنولوجي، فإن "السيادة التكنولوجية" تؤكد  الوسائل التنافسية، والتي تتمثل في تحسين الوضع السياسي الخاص بالفرد بدلاً من مجرد البحث عن إمكانية البقاء. إنها مسار تكنولوجي لتوسيع حقوق الفرد ومصالحه السيادية إلى ما هو أبعد من الحدود الجغرافية. لذلك، يمكن أن نطلق عليها أيضاً "القوة التكنولوجية" ولديها سمات واضحة لتوسيع القوة.
لكن العواقب المترتبة على استمرار سباق "السيادة التكنولوجية" خطيرة. ومن المرجح أن تؤدي مرة أخرى إلى قطع مسار التنمية الشاملة للبشرية، ما يؤدي إلى حالة من التباعد المتبادل في المجتمع الدولي مماثلة لتلك التي كانت سائدة أثناء الحرب الباردة. وفي المستقبل المنظور، سوف يظل المجتمع الإنساني في شكله الأساسي الحالي، وستظل الدولة الكيان السياسي الأكثر أساسية. في هذه الحالة، ستنظر الدولة إلى ضمان بقائها كهدف أساسي، وستكون التقنيات المرتبطة مباشرة بالدفاع والصناعة العسكرية وما إلى ذلك محمية بشكل أكبر وسيكون من الصعب نشرها خارج المنطقة المستهدفة. ولكن ربما يطال المنع السياسي والأيديولوجي حتى التقنيات العامة الأخرى العديدة والتي تتعلق بسبل عيش. وهذا لا ينطوي على اعتبارات أخلاقية إنسانية فحسب، بل يرتبط أيضاً بالسيولة الطبيعية للتكنولوجيا باعتبارها المعرفة ذاتها. فالتكنولوجيا موجودة للتطبيق، وتستخدم المعرفة البشرية كحامل لها، وتهدف إلى تحسين الإنتاج. ولا يمكن حصرها في مجال أو مجموعة محددة لفترة طويلة.
العلامات الدالة

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 10/10/2025 8:28:00 AM
أثار الفيديو المتداول تفاعلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي
اقتصاد وأعمال 10/8/2025 7:17:00 PM
ما هو الذهب الصافي الصلب الصيني، ولماذا هو منافس قوي للذهب التقليدي، وكيف سيغير مستقبل صناعة المجوهرات عالمياً، وأهم مزاياه، وبماذا ينصح الخبراء المشترين؟
اسرائيليات 10/9/2025 3:20:00 PM
جلس في أحد المقاهي البيروتية واحتسى فنجان قهوة بين الزوار المحليين.