لقاء ترامب - ماكرون... ودّ ظاهر بلا توافق على أوكرانيا!

كان الهدف الواضح لزيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون واشنطن للقاء نظيره الأميركي دونالد ترامب إقناع الأخير، باِسم الأوروبيين، بعدم التخلي عن دعم سيادة أوكرانيا وعدم التنازل لروسيا. استقبال ترامب ضيفه الفرنسي اتّسم بالحفاوة والودّ، وأظهر الرئيسان للإعلاميين الحاضرين في لقاءين مطوّلين علاقة ودية، إذ شدّ ترامب بشدة على يد ضيفه على طريقته المعهودة، مذكّراً بعشاء جمعهما في مطعم باريسي في برج إيفل بعد إعادة افتتاح كاتدرائية نوتردام دو باري قبل نحو شهرين، كما مازح ترامب ضيفه الفرنسي مشيداً بجمال اللغة الفرنسية.
لكن اللقاء، رغم المظهر الودي في الاستقبال، اتسم بخلاف واضح حول أوكرانيا، علماً بأن ترامب أعلن أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي سيزوره في واشنطن خلال الأسابيع المقبلة ليوقع معه اتفاقاً لحصول الشركات الأميركية على حصص في المعادن الأوكرانية تنقيباً وإنتاجاً. وأبدى ماكرون ديبلوماسيته المعهودة مع نظيره الأميركي الذي يعرفه جيداً، وقال له مرات عدة إنه يشاركه هدفه المنشود بالتوصل إلى سلام ووقف الحرب، مكرراً أن السلام ينبغي ألا يكون على حساب سيادة أوكرانيا وأمنها لأنها على بعد ١٥٠٠ كيلومتر من دول الاتحاد الأوروبي، ومؤكداً أن الاتحاد أصبح جاهزاً لتحمل مسؤولية الأمن في أوكرانيا وإرسال قوات سلام، على أن تحظى بدعم أميركي. لكن ترامب لم يلتزم بشيء سوى قوله إنه سيلتقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سعياً إلى وقف الحرب في أوكرانيا من دون إعطاء موعد محدد.
وبالتزامن مع القمة الأميركية - الفرنسية، قدمت كييف والدول الأوروبية في الجمعية العامة للأمم المتحدة نص قرار رمزي بمناسبة الذكرى الثالثة للحرب، يتّهم روسيا بأنّها شنّت الهجوم. لكن واشنطن رفضته مع 18 دولة أخرى. وقدمت واشنطن بعد ذلك مشروع قرار إلى مجلس الأمن بدعم من روسيا والصين، في وقت امتنعت الدول الأوروبية عن التصويت.
الموقف الأميركي المنحاز إلى روسيا لم يكن مطمئناً لتطلعات الأوروبيين، رغم كل مظاهر الودّ التي أحاطت بالقمة الأميركية - الفرنسية. ووصف ترامب حواره وضيفه الفرنسي مع رؤساء مجموعة السبع عبر الفيديو بأنه"ممتاز" و"بالغ الأهمية"، علماً بأن معظم دول مجموعة السبع تؤيّد سيادة أوكرانيا وأمنها، وهي ليست منحازة إلى روسيا. وفيما قال ترامب إن بوتين يوافق على وجود قوات حفظ سلام أوروبية، نفى وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف ذلك. ومن الواضح أن ترامب يفضل العمل على تحسين العلاقة مع روسيا، لأنه يعتبر ذلك أهم للولايات المتحدة من أمن أوروبا وسيادة أوكرانيا، لكنّه لم يكرّر خلال زيارة ماكرون وصف زيلينسكي بالديكتاتور.
في سياق آخر، لا شك في أن ترامب راغب في إجراء صفقة مع بوتين، ويشدّد "أنا معلّم بالصفقات، قمت بصفقات كل حياتي". وسيكون للصفقة تأثير كبير على المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران، فالولايات المتحدة وإسرائيل تريدان منع إيران من الحصول على السلاح النووي، وقد يلعب بوتين دوراً في المفاوضات بين واشنطن وطهران حول النووي وسياسات إيران في المنطقة. لكن إسرائيل لا تريد أن يتم أي اتفاق أو صفقة بين الولايات المتحدة وإيران لأنها تفضل ضرب إيران، وهذا غير ممكن من دون موافقة أميركية. وفي حال تمت صفقة روسية أميركية فقد تؤدي إلى تفاهم آخر على التفاوض بين الولايات المتحدة وإيران.
وإذ كرر ترامب مرات عدة أنه رجل سلام لا يريد الحروب، لكنه لم يتطرق إلى حرب إسرائيل على غزة، مكتفياً بالقول إنه لو كان مكان جو بايدن لما حصلت عملية 7 تشرين الأول/ أكتوبر.
ويبدو أن ترامب اختار صفقة تطبيع العلاقات مع بوتين على حساب الأوروبيين حلفاء أميركا التقليديين، ولإضعاف الصين التي هي المنافس الأكبر للاقتصاد الأميركي. وهذه التحولات في السياسة الأميركية ستكون لها تداعيات مهمة في دول الشرق الأوسط التي تلعب إيران دوراً سلبياً فيها، خصوصاً في لبنان. أما السعودية فهي الدولة التي تكسب المزيد من الأهمية، وقد استضافت المحادثات الروسية - الأميركية. وأشاد ترامب بدور ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بقوله في المؤتمر الصحافي مع ماكرون: "محمد شاب مسؤول واستثنائي كما والده الملك".
الأيام المقبلة ستظهر تداعيات احتمال قيام الصفقة بين ترامب وبوتين.