الحزب يحد من خسائره وعيناه على الانتخابات

لم يكن يُتوقّع في تشييع الأمين العام السابق لـ"حزب الله" أن يبرز مشهد مختلف عما شهده يوم 23 شباط قياساً بالموقع الذي شغله السيد حسن نصرالله والطريقة التي تم تغييبه فيها، كما على انتظار خمسة أشهر منذ اغتياله حتى دفنه.
انطبعت المناسبة بإيجابيات عن انضباط جمهور الحزب ومؤيديه والتزامهم الإجراءات المنضبطة في التعبير عن الحزن والمشاركة في التشييع في الوقت الذي واكبت المناسبة جملة رسائل مهمة. إحدى أبرز الرسائل كانت تلك التي وجهها رئيس الجمهورية العماد جوزف عون في أثناء استقباله الوفد الرسمي الإيراني المشارك في التشييع أي بحضوره مناسبة تعني إيران مباشرة من زوايا متعددة. رئيس الجمهورية قال للوفد الإيراني إن لبنان "تعب من حروب الآخرين على أرضه" مشيراً إلى أن "لبنان دفع ثمناً كبيراً دفاعاً عن القضية الفلسطينية"، معرباً عن أمله في "الوصول إلى حل عادل لها" مقفلاً الباب على استثمار إيراني في هذاً الموضوع دفع لبنان ثمنه غاليا في الحرب الأخيرة كما دفعت إيران ثمناً أكبر عبر ما أصاب الحزب ونفوذها في الوقت الذي اضطر الأخير إلى الفصل قسراً بين وقف النار في لبنان ومواصلته "إسناد غزة".
واستحضر عون من الدستور الإيراني فقرة تفترض احترام سيادة الدول وعدم القوطبة على الدولة وسلطاتها وجيشها بتنظيمات وقوى رديفة. رئيس الحكومة نواف سلام من جهته واكب رسالة الرئيس عون بالاتجاه نفسه من خلال الإعلان أمام الوفد الإيراني الذي زاره أيضاً" أن سلامة أمن المطار والمسافرين هو الاعتبار الأساسي الذي يرعى تسيير الرحلات من وإلى مطار الرئيس الشهيد رفيق الحريري في بيروت، وهو من مسؤولية الدولة اللبنانية". وهي رسالة أخرى في ملعب طهران التي أحدثت أزمة تم تفعيلها على الأرض في لبنان نتيجة منع طائرات إيرانية من الهبوط في مطار بيروت.
ويعتبر كثر أن الرسالتين الواضحتين من عون وسلام للوفد الإيراني مهمتان في تحديد وتصويب البوصلة بالنسبة إلى طهران وعلى مرأى العالم ومسمعه بحيث يدرك هذا الأخير مدى الجدية الرسمية في لبنان في التعامل مع الانتهاكات المحتملة لسيادة لبنان وعدم التساهل إزاءها ومدى الاستعداد للانتقال إلى المرحلة التالية التي يفترض أنها ستنهض بلبنان وتعيد إعماره إنما بناء على جدول شروط من مصلحة إيران التي قطعت بها السبل لإمداد حليفها "حزب الله" في لبنان بإعطاء فرصة للدولة لأن تحظى بالدعم وكذلك الأمر بالنسبة إلى بيئة الحزب الذي باتت عيناه تتجهان بقوة إلى الانتخابات النيابية المقبلة من أجل محاولة الاحتفاظ بحصته الراهنة في مجلس النواب وعدم إضعافها أو خسارتها نتيجة إضعافه كما نتيجة خسارته القدرة على دعم بيئته بالأموال والمساعدات. وهذا يحصل في ظل مخاوف حقيقية في هذا الاتجاه فضلاً عن إمكان نشوء تيار شيعي جديد مختلف كان عبر عن نفسه بقوة في انتفاضة 17 تشرين الأول 2019 قبل أن يتم قمعه بقوة من الحزب أو من الثنائي الشيعي وطاول القمع الانتفاضة ككل حتى طمسها.
وبدت الرسالة اللبنانية الرسمية للوفد الإيراني في منتهى الديبلوماسية وأقل إيلاماً من الرسالة الإسرائيلية المباشرة إن عبر الطيران الحربي الإسرائيلي الذي روع المشاركين في التشييع، أو عبر التصريحات الإسرائيلية المهددة بمواصلة الحرب أو استئنافها في وقت لا قبِل للبنان بتحمل ذلك ولا للحزب كذلك، ولا حتى لا قبل لإيران بتحمل تبعاتها خصوصاً في هذه المرحلة.
ما قاله الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم في التشييع بدا معبراً عن وداع مرحلة وليس الأمين العام السابق للحزب فحسب، حتى لو أنه استعان بعبارات تأكيد الاستمرار على خط سلفه واستمرار "المقاومة" التي ربطها في مكان آخر بـ"ثوابتنا في المرحلة الجديدة والمقاومة أساس وهي خيارنا، ما دام الاحتلال موجوداً(!) ( وفي الكلام الأميركي للبنان تسليم بحتمية انسحاب إسرائيل بعد الاطمئنان إلى إفراغ جنوب الليطاني من قدرات الحزب). ويضيف قاسم "وملتزمون بالمشاركة في بناء الدولة اللبنانية القوية والعادلة وتحت سقف اتفاق الطائف". وفي خطوة اعتمد من خلالها نقل جمهوره إلى مكان آخر شدد على حرص جماعته على "مشاركة الجميع في بناء الدولة وعلى الوحدة الوطنية والسلم الأهلي" لافتاً إلى أن الحزب "سيشارك في الحكومة والدولة ضمن أسس، بينها إخراج الاحتلال والأسرى والإعمار وإقرار خطة الإنقاذ". وهذاً هو الكلام المهم أو جوهره في كل المقاربة العاطفية والوجدانية التي أملتها المناسبة من جهة وفي محاولة نقل جمهور الحزب إلى مكان آخر على نحو تدريجي من جهة أخرى فيما أن هذاً الجمهور لم يعتد هذا الكلام من قبل ولم يتقبله بعد في ظل موافقة قسرية للحزب على اتفاق وقف النار لم يكن في مصلحته ولو أنه يقول العكس. لم ينتهِ الحزب ولم يعتقد أي عاقل بأنه انتهى، فيما أنه وعلى غير ما قال قاسم فإنه لم يذهب إلى انتخاب رئيس الجمهورية باقتناع عن التغيير الذي حصل، وقاطع الاستشارات النيابية الملزمة للرئيس نواف سلام واستدرك هذين التطورين بالالتحاق بالمسار الذي انطلق. وقد بات متأكداً أن عدم مواكبة هذا المسار والانخراط فيه مكلف جداً بالنسبة إليه في المدى المنظور مستدركاً بذلك خسائره للحد من زيادتها أقله في هذه المرحلة.