في ذكرى التحرير والمقاومة في 25 أيار/مايو 2013، وفي معرض تبريره تدخل حزبه في سوريا، قال الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله: "إذا سقطت سوريا في يد الأميركي والإسرائيلي والتكفيري، وأدوات أميركا في المنطقة الذين يسمون أنفسهم دولاً إقليمية، فستحاصر المقاومة وتدخل إسرائيل لبنان، لتفرض شروطها عليه ولتحيي أطماعها ومشاريعها مجددا، وسيعاد إدخال لبنان إلى العصر الإسرائيلي. إذا سقطت سوريا ضاعت فلسطين وضاعت المقاومة في فلسطين وضاعت غزة والضفة الغربية والقدس الشريف. إذا سقطت سوريا في يد أميركا وإسرائيل والتكفيريين، شعوب منطقتنا ودول منطقتنا مقبلة على عصر قاسٍ وسيئ ومظلم، وهذا هو تشخيصنا".

كان السيد نصرالله رؤيوياً في ما قاله قبل 12 عاماً، لكن المشكلة أن رؤيويته وتحذيره من إسرائيل وخداعها ومحاولاتها المستمرة لتقويض الأنظمة المعادية لها، لم ينفعاه في إدارة معركته، إذ خدعت إسرائيل العالم كله، بأن تظاهرت بالضعف والخشية من تنامي قوة "حزب الله" الصاروخية، فأعدت العدة لحرب ضروس، تمكنت خلالها من اغتيال السيد حسن نصرالله وخلفه السيد هاشم صفي الدين، وعدد كبير من قيادات الحزب ومقاتليه، وأصابت كثيرين منهم بإعاقات وتشوهات، واحتلت أكثر من 50 بلدة وقرية، وهدمت قرى بأكملها، ودمرت عشرات، بل مئات الأبنية في بيروت والضاحية وبعلبك وغيرها. 

خشية السيد نصرالله على سوريا، جعلت النظام البعثي - الأسدي يصمد إلى ما بعد عملية الاغتيال في 27 أيلول/سبتمبر 2024، أي مدة 13 عاماً من بدء الحرب السورية عام 2011، ثم بدأ يتدحرج ليسقط في ليلة ليلاء ويفر الرئيس بشار الأسد مع عائلته ومقربين منه. وبذلك طويت صفحة من التاريخ المشترك، ودخلت المنطقة العصر الإسرائيلي كما تنبأ السيد، من دون قدرة حقيقية على مواجهته بقوة السلاح، وحل عصر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي ينظر إلى فلسطين كعقار قابل للبيع والاستثمار، وينحاز كليا إلى إسرائيل.  

هذا الواقع المؤلم الذي تنبأ به نصرالله وحذر منه، حلّ إرثاً تقيلاً جداً على خليفته الشيخ نعيم قاسم، وهو ليس ارتدادات عسكرية مؤلمة فحسب، بل تداعيات سياسية مرهقة تمتد على مساحة الإقليم، وعلى دول المحور بالذات. لكنّ السؤال الملحّ الذي بات يطرح بجدية: هل استوعب "حزب الله" حقيقة المتغيرات؟ وهل يعي أنه في حاجة إلى استراتيجيات جديدة لم يعد قديمها ينفع، بعدما تبعثر كل شيء؟ هل يقابل الوضع المستجد، والذي لم يحسب له حسابا بما يفعله حالياً من دفع البلد إلى فتنة داخلية، والانقضاض على الدولة ومؤسساتها؟

يبدو جلياً أن "حزب الله"، في غياب أمينه العام (الراحل) فقد البوصلة الحقيقية لبناء توجه جديد يفيد ناسه والبلد، ويفيد من الفرصة التي لا تزال قائمة، لبناء دولة يعيش فيها الشيعي مواطناً مثل أقرانه ومواطنيه. وأما الافتراض الثاني، فهو عدم قدرة الحزب على الإمساك بشارعه، وتنامي التيارات التنظيمية والفكرية والعقائدية في داخله، إذ تصدر أخبار عن مجموعات تتصارع على القرار. ويحكى أيضا عن تفلت "عشائري" في الضاحية الجنوبية لبيروت، وتراجع الأمن الداخلي في المنطقة، بما يخيف الأهالي من عدم الانضباط بما يؤكد تراجع القوة القابضة لديه، والتي كان نصرالله يمسك بزمامها. وثالثة الفرضيات، أن تكون إيران التي خسرت ورقتها السورية، وتراجع نفوذها في العراق، تتمسك بورقة لبنان، بل تمسك بها بعد ازدياد الحاجة إليها، وغياب الشريك المحلي في القرار، أي نصرالله، ولشدة إمساكها بالقرار، يمكن أن تقود البلد إلى فتنة او تقاتل، ينفعانها في المحافظة على دورها الإقليمي.