ترامب... العلاج بالكيّ!

كتاب النهار 12-02-2025 | 10:15

ترامب... العلاج بالكيّ!

بدلاً من رفع الموازنة لتليق ببلاده "العظيمة من جديد" أراد سيّد البيت الأبيض وحليفه المفضّل ماسك الكفّ عن مساعدة دول العالم من خلال القضاء على الوكالة نفسها.
ترامب... العلاج بالكيّ!
وكالة التنمية الاميركية اولى ضحايا ترامب
Smaller Bigger

صرخ فيكتور أوربان، رئيس وزراء المجر، من مدريد ليل السبت الماضي، أمام جمهور مهرجان حاشد لأحزاب اليمين المتطرّف: "صديقنا ترامب، إعصار ترامب، قد غيّر العالم في مجرّد أسبوعين". لكنّ صحيفة "أوبزرفور" كتبت في افتتاحيتها في اليوم التالي، أنّ صديقه "يمثّل خطراً على بلاده وبريطانيا والعالم، فتجاوز كلّ الحدود بإجراءاته المدمّرة والانتقامية والمخالفة للقانون وغير العقلانية". ودعت إلى عدم تركه يعبث على هواه بأمن العالم وقيمه واقتصاده وحياة الملايين من أبنائه.
أمّا وقد أخذت المحاكم الأميركية تقف في وجهه، فماذا يفعل ضحايا قراره تجميد الوكالة الأميركية للتنمية الدولية لتسعين يوماً، وهي كانت تمدّهم بأسباب الحياة؟ وهل تستطيع غزة أو بنغلادش أو السودان وسوريا وكازاخستان والكونغو... الانتظار ريثما يبتّ القضاء أمر الوكالة؟
تفاقمت أزمات غزة التي تركتها حرب الإبادة في النزاع الأخير، بفعل القرار الذي قطّع شريان الحياة عن مستشفياتها. فهل أراد زعيم العالم الحرّ أن يقتل المزيد ممّن أخطأتهم قذائف بنيامين نتنياهو، ليخفّف أعباء طردهم بعملية تنظيف عرقيّ يعتزم إطلاقها قبل تحويل القطاع إلى منتجع استثنائيّ؟
ثمّة محرومون آخرون في أكثر بؤر البؤس في العالم مهدّدون بالموت مع توقّف الوكالة عن دعمهم. من هؤلاء ٥٠٠ ألف طفل أفريقيّ مصابين بفيروس نقص المناعة ممّن يحتاجون إلى الدواء، وعشرات آلاف الصغار المهدّدين في آسيا وأميركا اللاتينية بالموت جوعاً، أو لغياب مياه الشرب النظيفة، أو التعليم والكهرباء. ويُخشى أن يؤدّي توقّف تمويل جهود إدارة مخيّم الهول لمعتقلي "داعش" بسبب القرار ذاته إلى تمدّد خطر الإرهاب في العراق. 
فما الأسباب التي دعت الرئيس الأميركيّ إلى كلّ هذا؟
أطلّ في 20 كانون الثاني (يناير) على عادته، هادراً ينوء بحمل ثقيل من الأسباب "الخطيرة" التي دعته إلى "تجميد" عمل الوكالة بناء على اقتراح وزير شؤون الكفاءة الحكومية الملياردير إيلون ماسك. وزعم أنّ الوكالة "يديرها مجانين متطرّفون"، فقد وصفها ماسك بأنّها "منظمة إجرامية" وعشّ أفاع للماركسيين اليساريين المتطرّفين الذين يكرهون أميركا". 
بدت هذه المبرّرات لمنتقديه، وما أكثرهم، دليلاً على أنّه لا يملّ من محاولة تغطية الشمس بغربال. وبحسب الخبراء، كانت اتهاماته واهية، أو خطأ، أو حتّى مختلقة! والمضحك أنّ مسؤولاً سابقاً في الوكالة فنّد على نحو مقنع 11 من أصل 12اتهاماً وجّهها ترامب إلى الوكالة!
وبالمثل، ترى سامانثا باور رئيسة الوكالة حتى حلّها في 20 كانون الثاني/يناير الماضي أنّ الإدارة الجديدة ضالعة بالتلفيق. ولفتت في مقال نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، إلى محاولة طمس الحقائق المتعمّد قائلة إنّ "واحداً من الإجراءات الأولى التي قام بها الرجال المصمّمون على قتل الوكالة كان إغلاق موقعها الإلكترونيّ" لأنّه يوثّق تفاصيل عمليات الإشراف الدقيقة على عملها من قبل الكونغرس.
وصلت موازنة الوكالة في ستينات القرن الماضي حينما أسّسها الرئيس جون كيندي إلى 1 في المئة من الناتج القومي الإجمالي الأميركي. وكانت في 2023 مجرّد 0.24 في المئة من هذا الناتج، أي بنسبة مساوية للمساعدات الخارجية التي تقدّمها دول أصغر حجماً بكثير مثل سلوفينيا وإسبانيا. وبدلاً من رفع الموازنة لتليق ببلاده "العظيمة من جديد" أراد سيّد البيت الأبيض وحليفه المفضّل ماسك الكفّ عن مساعدة دول العالم من خلال القضاء على الوكالة نفسها. صحيح أنّ وزير الخارجية ماركو روبيو، تعهّد استئناف تقديم مساعدات لها أهمية حاسمة، لكن ليس واضحاً ما هو حجم هذه المساعدات أو المعايير المستخدمة لتحديدها وآلية توفيرها.
ربّما تتمثّل "عظمة" أميركا، برأي زعيمها الجديد، في التفرّغ لنفسها وإدارة ظهرها للآخرين. ومن غير الممكن تجاهل الدور الأساسيّ الذي لعبته نزعة الانعزالية في اتخاذ قرار التجميد. ولو كان يبالي بدوره في التصدّي للأزمات خارج حدود بلاده، لما أقدم على "قتل" الوكالة التي كانت بمنزلة "القوّة الناعمة العظمى" في العالم لعقود عدّة في القرن العشرين. لكنّه معنيّ بالقوّة العسكرية الخشنة التي لوّح باستعمالها مراراً منذ مباشرته مهمّاته قبل نحو ثلاثة أسابيع!
معروف عن ترامب أنّه دائم الشكوى من تحميل بلاده تبعات كبيرة، ومن حلفائها أعضاء حلف شمال الأطلسي (ناتو)، لأنّهم يستغلّونها ولا يدفعون ما يكفي مقابل حمايتهم. وربما أراد من خلال قراره الصادم والمفاجئ إجبار المتقاعسين من الحلفاء الأغنياء على تحمّل مسؤولياتهم. 
والأرجح أنّ الصين وروسيا لن تتأخّرا في ملء الفراغ، لاسيّما الأمنيّ منه، وقطف ثمار هذه الفرصة لتعزيز قوّتيهما الناعمتين. وأوضحت باور أنّهما حاربا الوكالة بلا هوادة، وأنّ إدارة جو بايدن "وثّقت أكثر من 80 حملة دعاية" ضدّها. ولن يكون هذا بلا تداعيات على "أميركا الجديدة" الانعزالية تمنعها من أن تكون "الأولى" فعلاً في عالم فسيح تتنافس كبريات دوله على التأثير في شعوبه من خلال قواها الناعمة إلى جانب البأس الاقتصاديّ والسطوة العسكريّة. 
أن يهتمّ الرئيس ببلاده وحدها شيء، وأن يضعها في صدارة دول العالم، شيء آخر. فالقيادة ليست حقوقاً وحسب بل تنطوي على مسؤوليات يجرّد الإخلال بها الشخص الذي يدّعيها من جدارته بحمل لقب القائد. 
في المحصّلة، ربما يتخيّل الزعيم الأميركيّ أنّه قادر على نيل كلّ ما يريد تقريباً، ويبدو مقتنعاً أنّ في وسعه أن "يأكل كعكته وأن يحتفظ بها في الوقت ذاته"! ولعلّه يتلاعب بمصائر الحكومات والشعوب لإثارة "فوضى خلّاقة" ومعالجة الأزمات بالصدمة لإجبار الجميع، من متبرّعين ومتلقّين، على اتّباع نهج جديد وترشيد أدائهم. إذا نجح العلاج بالكيّ سيكون سيّد البيت الأبيض قد "غيّر العالم" كما زعم أوربان. وإذا لم يحالفه الحظّ بسبب التطرّف أو غيره، ستبقى آلام الكيّ وحرائق نيرانه علامة فارقة لولايته الثانية. 
العلامات الدالة

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 10/8/2025 3:44:00 AM
أقدم شقيق النائب الأردني السابق قصي الدميسي على إطلاق النار من سلاح رشاش تجاه شقيقه عبد الكريم داخل مكتبه، ما أدى إلى وفاته على الفور.
اقتصاد وأعمال 10/7/2025 5:24:00 AM
سترتفع كلفة تسديد مفاعيل التعميمين من نحو 208 إلى 260 مليون دولار شهريا، بزيادة نحو 52 مليون دولار شهريا
لبنان 10/6/2025 11:37:00 PM
افادت معلومات أن الإشكال بدأ على خلفية تتعلق بـ "نزيل في فندق قيد الإنشاء تحت السن القانوني في المنطقة".
لبنان 10/7/2025 1:21:00 PM
 النائب رازي الحاج: ابتزاز علني لأهل المتن وكسروان وبيروت