الخارج شريك مضارب في الاستحقاقات

أحدث تأليف الحكومة بالتشكيلة النخبوية التي صدرت عبرها وقعاً إيجابياً على نحو عام وشبه شامل لا سيما أنها أحيطت على الفور وفور إعلانها بمجموعة من المواقف الخارجية المرحبة والداعمة التي ساهمت على الأرجح في تهيب التعليق الاعتراضي القوي السلبي عليها من قوى ليست مشاركة فيها، ولو أنها أعطت مؤشرات إلى الاعتراض يرجح أن تظهر في محطات لاحقة.
وليس خافياً أن الإعلان عن الحكومة تزامناً مع وجود مساعدة مبعوث الرئيس الأميركي إلى الشرق الاوسط مورغان أورتاغوس في بيروت كان جزءاً من هذا التهيب، ربطا بما يعتقد أن مساراً تدخلياً حصل على خط تأليف الحكومة لجهة تقديم ضمانات قوية من جانب رئيسها كما رئيس الجمهورية بأن القيود التي فرضت طبيعة الانطلاق بالتأليف طائفياً ومذهبياً وسياسياً ستكون تحت ضوابط قاسية وحازمة لن تسمح بالخروج عما هو مطلوب خارجياً. فانتخاب العماد جوزف عون في التاسع من شهر كانون الثاني/ يناير الماضي وصولاً إلى تكليف نواف سلام رئاسة الحكومة إلى صدور التشكيلة الحكومية قبل إنتهاء مهلة الشهر الواحد على كل هذه التطورات، شكل دلائل حاسمة على انخراط لا بل اضطلاع خارجي لا يهادن أو يتساهل لا سيما إذا كان هذا الخارج سيكون شريكاً في المرحلة المقبلة لا سيما في ضبط التزام إسرائيل اتفاق وقف النار بكل مقتضياته وأكثر أيضاً في مرحلة إعادة الاعمار والمساهمة في إعادة نهوض البلد اقتصادياً.
لذلك يجزم البعض بأن عملية تشكيل الحكومة خضعت للمعايير الخارجية وتجاهلت الكثير من المعايير الداخلية خصوصاً بعدما بدأت عملية التشكيل في مراعاة كبيرة للثنائي الشيعي انتقد عليها رئيس الحكومة المكلف حتى من أصدقائه خشية عليه من أن يسقط في كواليس اللعبة التقليدية لجهة حتمية إرساء توازنات سياسية وطوائفية على هذا الاساس، فيما أن القوى الداخلية تلقت درساً قاسياً مفاده جملة أمور: أولاً أن هذه القوى متأخرة جداً عن ادراك طبيعة التغيرات التي حصلت وكيفية ترجمة هذه التغيرات بناء على أن الخماسية التي عملت على تسهيل أو المساعدة في انتخاب رئيس للجمهورية سايرت القوى الداخلية إلى حد كبير.
ولكن حين تحدثت الموفدة الاميركية من قصر بعبدا عن أن " حزب الله" هزم من إسرائيل، بدا واضحاً أن توازنات المرحلة المقبلة ستبنى على هذا الأساس على نحو قطع دابر إمكان توظيف وجود حلفاء له داخل الحكومة لقيادتها أو تعطيلها. البعض يفسر ذلك في أبعاد ممثل لتيار المردة في الحكومة في الوقت الذي تم استبداله في ربع الساعة الاخيرة فيما أن الوساطة التي سعى اليها رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل مع رئيس الحكومة المكلف لم تلق الصدى الذي يريده. فالمسار التعطيلي الذي اشتهر به التيار منذ تحالفه مع " حزب الله" في "تفاهم مار مخايل" في 2006 ترك تفاعلات قوية لا يزال يتردد صداها حتى الآن، وكذلك الأمر بالنسبة إلى المسار غير الاصلاحي طيلة عهد كامل من رئاسته.
ثانياً: أنه وفيما كانت التساؤلات إذا كان الحضور السعودي الذي برز قوياً في انجاز انتخاب رئيس للجمهورية وحتى في الاتجاهات التي فرضت تسمية الرئيس المكلف سيكون حضوراً مستمراً ومستقراً في لبنان أو مرحلياً لهاتين المحطتين فحسب، أطل الدور الأميركي بقوة في تأليف الحكومة وخارطة الطريق المنتظرة منها على النحو الذي أرفقته السفارة الأميركية في بيان تعليقها على تأليف الحكومة بقولها "يستحق الشعب اللبناني حكومة ستعيد بناء مؤسسات الدولة اللبنانية، تكافح الفساد، وتطبّق الإصلاحات الضرورية". وأكثر هي دعت إلى "صياغة بيان وزاري يساعد لبنان على اجتياز هذه المرحلة ورسم مسار نحو تحقيق هذه الأهداف". وهذا يظهر وجود نوع من خارطة لتدخل مراكز القوى الخارجية ودورها في لبنان في المرحلة المقبلة لا سيما أن فرنسا وقطر ومصر، أي الأعضاء الباقين في الخماسية أطلوا بدورهم على لبنان ليس في المجال البروتوكولي فحسب خلال الشهر المنصرم، بل في تحديد المسارات المنتظرة من لبنان في مرحلة عدم الاستيعاب الكلي أو محاولة المحافظة على هامش المناورة وعدم الاستسلام للواقع الجديد.
ثالثاً أن الخارج بضغطه لحصول الانتخاب والتكليف والتأليف في مهلة قياسية أوضح أنه لا يستطيع الانتظار وهو بحسب مصادر ديبلوماسية أعطى القوى السياسية وقتاً طويلاً لم تحسن استخدامه لا للاصلاح ولا للنهوض ولا حتى لمنع الدخول في حرب مع إسرائيل. وفيما يلح على الحكومة الجديدة فور انطلاقتها التحدي في الجنوب مع مهلة 18 شباط/ فبراير التي تحل أواخر الاسبوع فيما المواجهات على الحدود السورية اللبنانية فرضت نفسها كتحد آخر، فان هناك امتحاناً حقيقياً لها على نحو مبكر جداً لا سيما في اقناع الخارج بتوافر كل العوامل لالزام إسرائيل بتنفيذ انسحابها من لبنان وفرض الجيش اللبناني سيطرته فيما يدل من جهة أخرى على قدراته على الحدود مع سوريا كذلك.