حماره عبر الجسر... ترامب واستراتيجية التحكم عن بعد!

تمضي المنطقة الآن على توقيت الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وليس على توقيت إيران أو إسرائيل، لذلك فإن شرح خريطة الشرق الأوسط الجديد في حاجةٍ إلى تحديث طالما عاد إلى البيت الأبيض الرئيس الجمهوري الذي كانت ولايته الأولى تجربة عملية لفهم طبيعة تفكيره وكيفية سياسته نحو منطقتنا والعالم. وبما أن "حماره قد عبرَ الجسر" ولم يعد بحاجة لأحد، فإن هذا يساعده الآن على تحقيق شعاره "أميركا أولاً" الذي هو محدد واضح لسياسته خلال ولايته الثانية، والتي ستكون استراتيجيتها تحت مفهوم "التحكم عن بعد"!
فقد أعلن ترامب شعار "لنجعل أميركا عظيمة مجدداً" خلال ولايته الأولى، وهو ما رسم حدود سياسته حيال روسيا والصين والاتحاد الأوروبي والشرق الأوسط، بأ"لا تورط في حرب كبرى، ولا استنزاف لموارد أميركا، ولا قيمة لأي سياسة خارجية أو اتفاقات دولية لا تدعم الاقتصاد الأميركي، ومهمتنا ليست الدفاع وإنما الترهيب، ونشرنا للسلام هو في خدمة تلك السياسة". وهو ما يفسر اختياره لأشخاص في إدارته دائماً أسماؤهم تثير الخوف من الولايات المتحدة.
بتوقيت ترامب
قبل أن يأتي ترامب، جرى التركيز على إسكات الصراعات في المنطقة في إطار نهج التعامل مع إيران الذي ستركز عليه إدارته الجديدة، فجرى الإعلان عن هدنة في غزة. وفي العراق أفصح المسؤولون عن خطة لحل الفصائل المسلحة التي تساند إيران في المنطقة. وفي لبنان حلت عقدة الرئيس وبدأ الحديث يدور عن بسط سلطة الجيش على الجنوب تمهيداً لترسيم الحدود وإعادة الإعمار. كذلك تأتي تحركات القوى الإقليمية لاحتواء سوريا ما بعد الأسد سعياً منها الى حصر الأزمة داخل حدودها. وفي اليمن، صواريخ الحوثي التي لم تتوقف لا تزال تنتظر الأوامر من طهران التي تتفاوض مع الغرب.
بذلك، يمكن لإدارة ترامب أن تؤكد أنها لا تشغلها طبيعة النظام في إيران ولا تسعى إلى تغييره، إنما تريد التركيز على عدم امتلاكها السلاح النووي الذي قد ينسف كل التوازنات في المنطقة التي سعت واشنطن إلى تحقيقها. وهو ما تدركه طهران جيداً، ولذلك لم تتفوه حتى الآن رسمياً بالحديث عن امتلاك السلاح النووي أو مغادرة معاهدة حظر انتشاره.
التحكم عن بعد!
إن تصور ترامب العدائي للبيئة الدولية وللشراكات على أساس مفاهيم الليبرالية والإنسانية، وهو ما اتضح من خلال مواقفه ضد اتفاقات المناخ أو التجارة الدولية بهدف جعل أولوية مصالح أميركا قبل أي اعتبار، نفهم منه أن الرئيس المولع بالسياسة القومية من باب الاقتصاد، ترتكز استراتيجيته للسلام على القوة التي لا يجب تحقيقها بالانتشار العسكري الذي يستهلك الموارد وإنما بسياسة الترهيب والتهديد! ولذلك لا صفقة مع ترامب إلا تحت وطأة إذا لم يجر التوصل الى اتفاق مع الطرف الآخر فليتحمل عواقب ذلك. وهذا ما يجعل الإيرانيين لا يستبعدون التورط في مواجهة عسكرية مع إدارة ترامب التي لا تزال تفضّل خيار الصفقة على المواجهة، وهذا ما يفسر تعزيزهم للدفاعات الجوية في المناطق الاستراتيجية مثل موانئ تصدير النفط والمنشآت النووية.
ويُظهر الدور الذي لعبه مبعوث ترامب للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، في الضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإتمام صفقة غزة، أن الرئيس الأميركي الذي يرسم استراتيجية "التحكم عن بعد" يريد المضي قدماً في خططه، بالتمهيد لمزيد من الانسحابات العسكرية من الشرق الأوسط بعد تحقيق التوازن بين قواها الإقليمية ووضع إيران تحت ضغط ذلك، وهو ما يحتاج لاستكمال مسار السلام الإبراهيمي حتى تكون إسرائيل قادرة على دعم نفسها، ما قد يحتاج أيضاً إلى التضحية بشخص سيء السمعة مثل نتنياهو إذا ما جرى الحديث عن إعلان الدولة الفلسطينية.